تحقيقات وتقارير

“إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ” لا شك أن الخلافات حول سد النهضة أثرت على العلاقات بين السودان مصر وإثيوبيا، وكادت في احايين كثيرة ليس فقط أن تذهب لدق اسفين فيها، بل وتنزلق بها إلى أتون الحرب


يشفق الكثيرون على مستقبل العلاقة بين البلاد وجارتيها مصر وإثيوبيا عقابيل التوتر الذي أحدثته الخلافات حول سد النهضة، وما يزال البحث جاريا عن حلول توافقية ترضي الأطراف المتنازعة وتبعث الطمأنينة وتزيل التوجسات والتخوفات والتحفظات التي أبداها الجانب المصري، مياه كثيرة جرت تحت جسر العلاقة الثلاثية منذ خروج فكرة إنشاء السد إلى العلن قبل أربعة أعوام، وشروع إثيوبيا في تشييده، مرت بمراحل متعدده اعتراها التوتر والشد والجذب والاتهامات المتبادلة.

الخلافات حول النهضة أثرت على العلاقات الثنائية مع كل من مصر وإثيوبيا على حدة، وكادت في احايين كثيرة تنزلق وتذهب لدق إسفين في العلاقات الراسخة. الآن يبحث البعض عن تصور للعلاقات بين الدول الثلاث وما ستؤول إليه في قادم السنوات بعد إيجاد حل للخلافات الحالية حول السد، ويذهب خبراء الى أن الأفضل إيجاد صيغة للتعاون المحكم بين الأطراف الثلاثة لإدارة السد، والتعامل بشفافية ومصداقية في توضيح الأهداف الرئيسة من السد وطاقته التخزينية سيما بعد تسرب معلومات عصفت باجتماع اللجنة الثلاثية الذي انعقد مؤخرا بالخرطوم تتعلق بالسعة التخزينية، ورفض بموجبها الوفد المصري التوقيع.

الدكتور مظفر الصديق يؤكد أن السد لديه آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية على مصر والسودان، ويقول: عموما أي مشروع إثيوبي له تأثير على الأمن المائي في دول حوض النيل الشرقي ويضيف: التخوفات المصرية تقتصر بشكل أساسي على تأثر الأراضي الزراعية بسبب السد وخفضها إلى الربع عند اكتمال ملء بحيرة الخزان فضلا عن انخفاض معدل الطاقة الكهربائية المنتجة بالسد العالي بنسبة 20% وهما نقطتان أساسيتان بالنسبة لمصر لذا برز الخلاف الجوهري حول فترة ملء الخزان التي حددتها إثيوبيا بقرابة الخمس سنوات بينما ترى مصر انها قليلة ويجب ملء السد في سنوات أطول نظرا للسعة الكبيرة، وهذا هو السبب الرئيس ـ بحسب مظفر ـ في بروز الموقف العدائي لمصر تجاه سد النهضة.. ويشير لأن مصر لم يكن لديها خيار سوى اللجوء للتفاوض لجهة أنه يعد الخيار الأنسب في ظل ارتفاع كلفة الحل العسكري وعدم إلزام الأطر القانونية الدولية لإثيوبيا في ما يتعلق بالمياه.
ومضى مظفر الذي كان يتحدث في ندوة (مستقبل العلاقة بين مصر وإثيوبيا والسودان) التي نظمها مركز دراسات الإسلام والعالم المعاصر، قائلاً: أعتقد أن أي حديث غير ذلك مجرد استهلاك إعلامي ليس إلا، فالقضية فنية في الأساس وموقف مصر من بناء السد حسم بتوقيعها على إعلان المبادئ في مارس من العام الماضي وبالتالي موافقتها على أحقية إثيوبيا في إقامة السد.

مظفر أكد أن الأمر لن ينجلي إلا بتوافق الأطراف الثلاثة على حدود المنفعة المشتركة وكيفية ملء البحيرة وتحري الشفافية في التعامل مع الملف بالمعلومات الموثقة سيما وإن عدم توفر المعلومات الحقيقية تسبب في الأزمة وسوء التفاهم والشد والجذب في جولات التفاوض، ودعا إثيوبيا إلى إبراز خارطة طريق لمشروعات السدود المتبقية والمنتظر اقامتها في روافد نهر النيل الأزرق، وقال: كما لسد النهضة سلبيات كتأثيره على الحصص المائية وتكوين الجزر النيلية وارتفاع النهر واندفاعه وغيرها، فهناك أيضا فوائد تتمثل ـ بحسب وجهة نظره ـ في توفير الطاقة الكهربائية التي تكفي دول الإقليم نظرا إلى أن الخطة في إثيوبيا تستهدف إنتاج حوالي 45 ألف ميقاواط من الكهرباء وحل مشاكل الأطماء ونقل قضايا المياه من الإطار القطري إلى الإقليمي وتفادي الفيضانات.. غير أنه يؤكد أن الملف في حاجة إلى اتفاق لتكوين إدارة شاملة من الأطراف الثلاثة.

الدكتورة نعمة علي تور الدبة الأستاذ المشارك في جامعة بحري طالبت بإنشاء منظمة نيلية تكون بمثابة آلية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين دول حوض النيل الشرقي، ومراعاة مصلحة البلاد الاستراتيجية التي ينبغي أن تكون مستقلة عن مصر وتضع الأولوية للتعاون مع جميع دول حوض النيل، فضلا عن مطالبتها باستخدام الوسائل الدبلوماسية لحل النزاعات بين الدول الشرقية لحوض النيل واعتبار موضوع الموارد المائية جزءا أساسيا في إطار دبلوماسية التنمية، وقالت إن الصراع حول المياه أمر طبيعي في ظل الحاجة إليها لذا فمن الطبيعي تأثير ذلك الصراع على العلاقات بين دول حوض النيل وأضافت: مبادرة حوض النيل والاتفاقية التي وقعت منتصف التسعينيات كان لها أثر إيجابي في حدوث الاستقرار وتنفيذ المشروعات، الأمر الذي يجب أن تنظر له الأطراف المتنازعة حاليا وتؤمن بأنه لا حل إلا بالتعاون والاتفاق على ضمان تحقيق واستمرار الاستغلال الأمثل والأفضل للمياه في إطار التعاون المشترك للاستفادة من المياه.

الخرطوم – مهند عبادي
حيفة الجريدة