منى ابوزيد

في التأويل والتهويل ..!


«مصيبة كبري أن تلقي بنفسك طوعاً عبر بوابة نظريات المؤامرة باعتبارها مدخلاً سهلاً لتفسير الأمور» .. يسري فودة ..!
التفكير الرغائبي والتأويل والتهويل من أخطر آفات الممارسة السياسية في السودان ..مشكلة هذه العادة السيئة أنها تصدر عن بعض ساستناعلى نحو مكشوف، ومن خلال مواقف متواترة،وفي فترات زمنية بعينها .. الأمر الذي يسهل معه النظر إليها بعين الرغائبية التي تروج لها .. هل تريد مثالاً ..؟!
نقلت صحف الأمس عن د.أمين حسن عمر تصريحاً ارتقى في بعضها إلى مراقي “المانشيت الصحفي”، مفاده أن “دارفور لن تنفصل إلى يوم القيامة”،ولست أدري كيف يمشي مثل هذا التقرير القاطع المطمئن، جنباً إلى جنب، مع دعوة د.التجاني سيسي، أهل دارفور – يوم أمس وبحضور رئيس الجمهورية – إلى الابتعاد كل البعد عن الاستقطاب القلبي والإثني في الاستفتاء الإداري، وعدم الالتفات إلى التشويش المتعمد بالظروف الأمنية وعدم الانقياد إلى فزاعة تقرير المصير ..وعوضاً عن التركيز على استراتيجياتجادة لترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية والتماسك القومي بين أهل دارفور المقبلين على منعطف الاستفتاء، حسم ذلك التصريح القاطع نتائج تفعيل خيارهم “إلى يوم القيامة”..!
وهو – كما ترى – نهج لا ينفصل عن دورة تاريخية كاملة لتصريحات سياسية تستمد اطمئنانها من التفكير الرغائبي لأصحابها حيناً، ونزوعهم الشخصي إلى التأويل أو التهويل أحياناً .. هل تريد أمثلة حية من التاريخ القريب؟! .. قبل فترة اتهمت نائب رئيس البرلمان جهات خارجية بمحاولة تنفيذ أجندة اغتيالات داخل البلاد لزعزعة الاستقرار، وطالبت من ينفذون هذه الأجندة باتقاء الله في السودان وأهله، وهذا يعني بالضرورة أنهم قوم يعرفون الله ويفهمون معنى الوعيد بمصير من لا يتقي الله .. الأمر الذي (قد) يحصر دائرة الاتهام في معسكر المعارضة اليمينية التي انصهر الحزب الحاكم معها – بعد شهور من ذلك التصريح – في بوتقة الحزن الجليل على رحيل الشيخ حسن الترابي ..!
مهلاً، هنالك المزيد! .. قبل فترة وجه الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم بإجراء تحقيق عاجل حول دخول عقار إسرائيلي منتهي الصلاحية لمرضى (الهيموقليبا) بمستشفى الخرطوم، مستبعداً – وبكل ثقة واطمئنان – إمكانية دخول أي عقار ممنوع إلى السودان دون الطرق الرسمية، لوجود الضوابط والإجراءات المشددة، ومؤكداً شروع إدارته في التحقيق حول التسريب المقصود للعقار الإسرائيلي .. وبطبيعة الحال لم نسمع شيئاً حتى الآن عن نتائج التحقيق في تلك المؤامرة الإسرائيلية ..!
لحظة من فضلك .. هنالك حكاية الصقر الإسرائيلي! .. في ذات التوقيت تقريباً قالت بعض صحفنا المحلية إن السلطات بمحلية كرينك بولاية غرب دارفور قد ألقت القبض على صقر يحمل على جناحيه أجهزة إسرائيلية صغيرة الحجم تعمل بالطاقة الشمسية، يومها طالب السيد معتمد كرينك جهات الاختصاص بتحديد ماهية الأجهزة التي يحملها ذلكالصقر الذي يحمل وسم “الهيئة الإسرائيلية للطبيعة”..!
بالله عليك! .. هل تحتاج إسرائيل إلى صقور للتجسس على السودانبطريقة الحمام الزاجل، وهي التي تقصف كيف شاءت وتفجر أنَّى شاءت؟! .. وبافتراض أنها قد فعلت، هل سمعت شيئاً عن أي نتائج لأي تحريات جادة في واقعة الصقر إياها حتى اليوم ..؟!
إلى أي مدرسة سياسية ينتمي مثل هذا التبرير والتأويل والتهويل؟! .. إلى أي نهج فوضوي تنتمي مثل هذه التصريحات التي تذكرنا بإشاعات الاتحاد الاشتراكي أيام النكسة في مصرالستينيات؟! .. إلى أي واقع سياسي ينتمي مثل هذا الاستسهال والقعود عن الفعل؟! .. ليس أسهل منالحديث بثقة واطمئنان عن مستقبل بعض القضايا ومصير بعض المشكلات .. وليس أسهل من الحديث عن ضلوع جهات خفية عند حلول بعض المصائب ..!
عوضاً عن التأويل حيناً والتهويل أحياناً، أين هؤلاءوأولئك من من أطنان الحلول وأرتال المعالجات ..؟!