مقالات متنوعة

محمد سيد احمد : قراءة للأبعاد الكامنة في ضائقة المواصلات العامة والدلالة التي تنطوي عليها وتشير إليها


> عندما تم إبرام ما تسمى باتفاقية نيفاشا للسلام الشامل بالسودان في مطلع العام 2005، ودخل طرفا الاتفاقية في مفاوضات ماراثونية لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية لتنفيذها، بناء على ما تم الاتفاق عليه فيها، نشر الكاريكاتيرست نزيه، الذي كان يعمل حينها بالزميلة صحيفة «الرأي العام» الغراء، كاريكاتيراً مثيراً ومتميزاً كعادته، حيث رسم صورة متخيلة لاجتماعات تلك المفاوضات بين الطرفين، ظهر فيها وفد الطرف الأول الممثل للسلطة الحاكمة الراهنة وهو يخاطب وفد الطرف الثاني الممثل للحركة الشعبية عارضاً عليه أن يأخذ وزارة الداخلية ولكن بشرط أن يتخلّي عن الحركة!!
> وكما هو واضح، فقد كانت البراعة المبدعة في ذلك الكاريكاتير، الذي سيبقى خالداً في الذاكرة الوطنية للسياسة السودانية وممارساتها المعبرة عن تلك الحقبة التاريخية المفصلية والفاصلة، هي أنه حمل وتضمن أكثر من معنى في الدلالة ذات المغزى البعيد المدى والمتعمقة في تمعنها لما ينطوي عليه ويشير إليه، حيث أنه ورغم أن الإشارة الى ترك «الحركة» والتخلّي عنها قد جاءت معبرة ومحتوية على إحدى تلك الدلالات ذات المغزى البعيد المدى في ما يتعلق بأن الطرف الممثل للسلطة الحاكمة كان يسعى في الحقيقة الى إثبات القدرة على إنهاء الحركة الشعبية وتحقيق تصفية كاملة وشاملة لها، وهو أمر لم يكن يخفى بالطبع على الطرف الممثل للحركة، والذي أثبت في الواقع المدى الكبير لحالة الذكاء التي يتمتع بها وينطلق منها ويستند ويرتكز عليها، إلاّ أن المغزى الآخر الذي أراد الكاريكاتيرست نزيه أن يشير إليه بأسلوب بارع ومبدع، يشير أيضاً الى ما ينطوي ويحتوي عليه في دلالته، هو الإشارة الى مدى الحرص الشديد لدى الطرف الممثل للسلطة الحاكمة حينها فيما يتعلق بعدم قدرته، أو عدم رغبته بالأحرى وتحري الدقة، على التخلي عن الإدارة الشرطية التابعة لوزارة الداخلية والمعنية بحركة المرور!!
> وكما هو معروف فقد كان ومازال من المعلوم لدى الكافة، أن الإدارة الشرطية المعنية بحركة المرورة، أضحت وظلت في واقع أمرها واحدة من أهم وأكبر وأكثر الإدارات الحكومية المدرة للدخل المجلوب من جيوب جماهير الشعب، وذلك بالنظر الى ما عُرف عن إفراطها في الغرامات الباهظة والمرهقة والمغالاة البالغة في الرسوم التي ظلت تفرضها، وتتمادى متفانية في الإصرار على تحصيلها أو الحصول عليها عامدة دون أدنى قدر من المراعاة المكترثة بالمعاناة الناجمة عن ذلك أو الناتجة عنه، والتي كانت ومازالت مصدراً للشكوى المتضررة والمتفجرة والمتبرمة والمتظلمة منها والساخطة عليها والرافضة لها، ولكن دون جدوى! حيث ظل الحرص على الجباية يحظى بالأولوية القصوى لدى السلطة الحاكمة الراهنة، دون أن يقابل ذلك حرص مماثل في مدى اهتمامها بتوفير وتقديم الخدمة التي يجب أن تكون ملازمة لمثل هذه السياسة الجبائية القاسية، ومبررة للحرص على ممارستها والتمسك بها والإصرار عليها.
> وفي الحقيقة فقد جاءت استعادتي لذلك الكاريكاتير الشهير والمثير الى الذاكرة، والإشارة التي ينطوي عليها ويعبر عنها، في سياق ما تداعى وتوارد الى الذاكرة في هذا الصدد وبهذا الخصوص، لدى شروعي في الذي طرقت عليه وتطرقت له أمس بشأن التردي الجاري في الوقت الحالي بالنسبة للمواصلات العامة في ولاية الخرطوم ومحلياتها، والمعاناة المتزايدة والمتفاقمة التي صارت صارخة وأضحت ضاغطة بصورة شاخصة وماثلة لدى الغالبية العظمى الممثلة للجماهير الكادحة والمكافحة والمكابدة والمعتمدة في تحركاتها على هذه المواصلات العامة، والتي تستحق أن تحظى بناء على ذلك على ما ينبغي أن تحظى به من عناية ورعاية خاصة في الاهتمام بها لدى السلطة الحاكمة القائمة.
> ورغم أن السلطة الحاكمة الراهنة قد بذلت جهوداً ملموسة في ما يتعلق بأقدامها على القيام بإنشاء العديد من الطرق المعبدة والكباري العابرة للمجاري المائية، إضافة الى بعض الجسور الطائرة في بعض مناطق التقاطعات المرورية المزدحمة، إلاّ أن الوجه الآخر لهذه الحقيقة الواضحة يظل قائماً وفاضحاً في ما يتعلق بمدى وجود ممارسات فاسدة ومفسدة لمثل هذه الإنجازات، ومنها ما أثير حول كبري الحلفاية قبل أن يتم تداركه دون إعلان وافٍ عن تفاصيله، وكذلك ما ظل يتردد بشأن ما جرى بالنسبة لكبري الدباسين الذي توقف العمل فيه، ولا يدري أحد متى سيتم إكماله، وما الذي سيحدث لكشف وردع ما يثار عن فساد يُقال إنه مرتبط ومتصل به..
ونواصل بعد غد الأحد إن شاء الله…