جعفر عباس

لماذا وكيف صارت الولايات المتحدة يهوذا الإسخريوطي


كان وقع رد الفعل الشعبي العالمي على أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001) أشد إيلاما للأمريكان من الحادث نفسه، فمن بيرو إلى اليابان تبارى الكتاب لاستنكار تدمير تنظيم القاعدة برجي مركز التجارة العالمي، مما تسبب في موت أكثر من 3000 شخص، ثم إيراد كلام مؤداه أن الولايات المتحدة تستأهل ما لحق بها من إهانة، وأن البرجين يرمزان إلى سطوة أمريكا التجارية والاقتصادية والمالية
يصور الكاتب الأمريكي نيل أشرسون واقعة تدمير البرجين على النحو التالي: مانهاتن شاشة ضخمة يتوسطها عمودان شديدا الارتفاع، وأمسك أحدهم بماوس (فأرة) الكمبيوتر ووضع طرف المؤشر على أحد العمودين، ثم ضغط على زر «ديليت»، فاختفى العمود تدريجيا مخلفا هالة ضخمة من الغبار، ثم تحرك طرف مؤشر الماوس إلى العمود الثاني وخلال ثوان كان قد تعرض بدوره للحذف والشطب «ديليت»، وكان الممسك بالماوس يقول: هكذا نكرهكم وهكذا ندفنكم.
الأمريكان يشكلون فقط 4% من سكان العالم، ومع هذا فبلادهم تسيطر على مجريات الاقتصاد والتجارة والحروب والثقافة على مستوى الكرة الأرضية، وهم يقولون إن تلك السيطرة تحققت بفضل الكد والجد وروح المغامرة وبإنشاء مؤسسات قوية تعمل بكفاءة، ولكن بقية شعوب العالم ورغم اعترافها بريادة الأمريكان في أكثر من ميدان، يعتقدون أن أمريكا حققت ما حققت بنهب واستغلال ثروات الشعوب وتهميش تلك الشعوب.
بعد الحرب العالمية الأولى رأى حكام الولايات المتحدة أن بلادهم لن تصبح قوة عظمى إلا بالتخلص من دول المعسكر الاشتراكي، وبقيام جميع الدول بتحرير أسواقها، لتتبنى النظام الرأسمالي المطلق «الفالت»، ولهذا السبب عملت على تأسيس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصاغت اتفاقية الجات GAAT وهي الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة، ثم منظمة التجارة العالمية.
وكما قال توماس فريدمان في كتابه سيارة اللكزس وشجرة الزيتون والذي يتناول فيه تجليات العولمة فإنّ مصطلحات مثل الخصخصة وتحرير الأسواق «صُنعت في أمريكا»، ومثلما زعم الأخرق فرانسيس فوكوياما أن سقوط الاتحاد السوفييتي هو نهاية التاريخ وانتصار الليبرالية بصيغتها الأمريكية، فقد بلغ السخف بفريدمان إلى أنه قال إن ورود اسم مدينة في نشرة الأحوال الجوية لقناة «سي إن إن» هو الدليل القاطع والحاسم على أن تلك المدينة صارت ذات وزن دولي.
باحتلاله للكويت كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قد فقد السند من معظم الشعوب العربية، ولما انهار جيشه في مواجهة الجيش الأمريكي في مرحلة تحرير الكويت من دون أن يطلق جندي عراقي طلقة واحدة، كان نظام حكم صدام قد فقد هيبته حتى داخل العراق، ولكن ما أن قام الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش بغزو العراق بذرائع سخيفة عام 2003، حتى تحول صدام إلى بطل ثم إلى «شهيد» عربي.
ولما عجزوا عن إبراز دليل على أن صدام كان يملك أي نوع من الأسلحة المحظورة دوليا، زعم الأمريكان أنهم على الأقل خلصوا العراق من حكم ديكتاتوري، ودشنوا عهدا من الديمقراطية والرفاهية، ولكن الرفاهية كانت من نصيب شركة هاليبرتون التي كان نائب الرئيس الأمريكي دِك تشيني عضوا في مجلس إدارتها، وتولت الشركة توريدات السلاح والسندويتشات ومحارم الورق إلى العراق، ولتوسيع دائرة المستفيدين الأمريكان تم تكليف شركة بلاكووتر بتوفير الحراسة الأمنية للمنشآت والأفراد.
وهكذا نهب الأمريكان ما توفر وتيسر من موارد العراق، وانفتحت شهيتهم للغنيمة الكبيرة فشرعوا في تأهيل مرافق النفط والغاز، واضطروا إلى الفرار بجلودهم من العراق لأنّ مطامعهم قوبلت بمقاومة مسلحة وعنيفة من جماعة جهادية (القاعدة بزعامة أبي مصعب الزرقاوي)، وبوصول براقش (المالكي) إلى الحكم كان مولد «داعش»، وبالتالي فواشنطن هي المسؤولة عن ظهور هذا التنظيم.