حيدر المكاشفي

هل صار ضرب الطبيب زي أكل الزبيب


لأحبابنا المصريين مثل أراه معيباً وشائناً وغير موفق، مؤداه (ضرب الحبيب زي أكل الزبيب)، ويذهب ظني إلى أن من سك هذا المثل العجيب إنما هم أولئك الساديون من الرجال الذين استمرأوا ضرب زوجاتهم أو خطيباتهم أو حبيباتهم، ولتخفيف أثر هذه الممارسة الخرقاء البغيضة وتبرير مقارفتهم لها، ألفوا هذا المثل الأجوف (ضرب الحبيب زي أكل الزبيب)!!، ولكن يقيني أن المرأة العاقلة الراشدة التي تملك ذرة كرامة لن تقبل بهذا المثل الذي يبرر لهذه الممارسة الكريهة والمشينة، وربما كرهت بسببه فاكهة الزبيب نفسها، ويقابل هذا المثل المصري مثل سوداني يماثله في السوء والاستكراد، هو ذاك الذي يقول (الإضينة دقوا واعتذرلو أو اتعضرلو إن شئت دارجة عربان السودان)، ومن كثرة ما تعرض أطباؤنا وما زالوا يتعرضون للضرب والركل في المستشفيات والمراكز الصحية، بدا لي أن ضرب الأطباء صار ممارسة عادية ومعتادة، بل ومستحلاة أحلت الطبيب مكان الحبيب وأنتجت مثلاً جديداً يقرأ (ضرب الطبيب زي أكل الزبيب)..
من آخر أنباء ضرب الأطباء وليس أخيرها، ما تعرض له خلال الأيام الماضية أطباء بمستشفى البان جديد من اعتداء غاشم وهمجي، دفعهم إلى إعلان الإضراب لرد كرامتهم المهدرة، وبينما ما يزال الناس يتداولون في أسى حادث البان جديد، إذا باعتداء جديد يقع على طبيب بمشفى بحري، ومن عجائب ظاهرة الاعتداء على الأطباء التي تكررت في أوقات متفرقة وفي أماكن مختلفة من البلاد، أنها توالت بشكل لافت في الآونة الأخيرة حتى لتكاد أن تغطي جميع أنحاء البلاد، بدءاً من العاصمة ووصولاً حتى الأقاصي، ولعمري أن من مفارقات الزمان ومحنه أن يظل طبيب رغم كل الظروف السيئة التي يعانيها الأطباء، يثابر ويصابر ويصبر على العمل في وسط هذه الظروف داخل بلاده، وبدلاً من أن يجد التكريم والتبجيل والاحترام وتقدير تضحيته، إذا به للأسف يتعرض للضرب والإهانة، فماذا بربكم سيبقى للأطباء بعد ذلك ليبقوا داخل بلدهم، هل يبقون لتلقي المزيد من الصفعات والركلات والإهانات، وأكثر ما يحز في النفس أن نسبة ليست قليلة من الضرب الذي تعرض له الأطباء وقع عليهم من منسوبي بعض القوات النظامية الذين لم يسلم من اعتدائهم حتى الأطباء العسكريين، أذكر منها ما حدث بمدينة الضعين حين اعتدى أحد أفراد القوات النظامية على طبيب يعمل بمستشفى المدينة ويحمل رتبة ملازم أول، لم تشفع له حتى رتبته من تشفيات هذا الجندي، فتأمل هذه الفجيعة التي ضربت قيمتين بركلةٍ واحدة، فجيعة الضرب نفسه وفجيعة اختلال القيم والموروثات العسكرية، فإلى من يمكن أن ترفع قضية ضرب الأطباء لوضع حد نهائي لها، بعد أن لم تسفر كل احتجاجاتهم وإضراباتهم السابقة عن شيء سوى الاستمرار في هذا السلوك المشين، صحيح أن شرطة ولاية الخرطوم مشكورة قد اهتمت بالأمر وتعهدت بتوفير الحماية للعاملين بالحقل الطبي، إلا أن ذلك وحده لا يكفي للسيطرة على ظاهرة تمددت في كل الولايات ولها صلة بعدة جهات غير الشرطة.