الصادق الرزيقي

بوابة الخروج ..!


> لا يمكن فصل ما يجري في الداخل، بالتطورات المهمة التي تجري في الخارج، فالسودان في قلب العاصفة الجارية في المنطقة عربياً وافريقياً، والنظام الإقليمي الذي بدأ يتشكَّل وبكل تفاعلاته الجارية وتحالفاته المتكونة الآن، يجب فهمها بسرعة والتعامل معها بعقل مفتوح، فطبيعة وجوهر العلاقات الدولية والإقليمية المتشابكة بدأت تتغير تغييراً مركزياً في توجهاتها وأنماطها واتجاهاتها، لقد كانت المنطقة طيلة الفترة السابقة التي أعقبت التراجعات والارتدادات العكسية لثورات الربيع العربي، في مرحلة انتقال عنيف وفراغ إستراتيجي هائل، لكنها الآن بدأت فيها تغيرات قد تقود الى شكل جديد يتبدى في نوع وعدد الفاعلين الجدد في الفضاء السياسي والاجتماعي وما يترب عليهما من نتائج. > لقد اختلت عامل وتوازنات كثيرة، وتدحر مركز الفعل السياسي والقيادي أو صاحب التأثير من منطق إلى أخرى، مضيفاً إلى نفسه عوامل جديدة حيث لم تعد مراكز التأثير هي الدول بعينها وبوجودها ودورها، فالجماعات المسلحة والظواهر العسكرية الناشئة في كل مكان وهي نابتة بأظافرها وحوافرها الحادة ودورها في الصراعات بالمنطقة، المذهبي منها والطائفي، عمقت من الأزمة وجعلت من الصعوبة بمكان التفكير بصوابية أكبر في كيفية توجيه الدفة والتحكم في اتجاه الشراع. > لقد باتت التعددية الإثنية والطائفية والمذهبية في منطقتنا هي العملة القابلة للتداول، وتعلب جهات دولية ذات مصالح إستراتيجية في تغذية الصراعات الحادة ونشر الفوضى وسوق الجميع إلى حالة تخبط سائلة وانتهاج إستراتيجية عشوائية لا تراعي في بعض الأحيان المصالح العليا لكل المنطقة وطبيعة التركيبة الاجتماعية والسياسية والثقافية المعقدة، فكل ما يجري اليوم من أحاديث عن اصطفافات طائفية ومذهبية أو حرب معلنة على الإرهاب، أو محاولات صناعة جغرافيا جديدة تتغير بها الحدود الموروثة منذ اتفاقية (سايكس – بيكو)، ومقايضات سياسية واقتصادية تعلب فيها الحدود والأرض والاستثمار في المواقف السياسية، هو نتاج ما سماه بعض الإستراتيجيين التماس الحادث بين الدولي والإقليمي في المنطقة والتأثير الكبير للسياسة الدولية ومطامعها على المنطقة. > السودان اليوم سواء أكان منطقة جذب إستراتيجي وسياسي أم لا، فإنه مطالب بقراءات صحيحة لنوع الأحلاف الجارية ومكاسبه ومصالحه فيها، وكيف يستطيع أن يعبر هذه المرحلة وهو بمنجاة من مضاعفاتها وعواصفها العاتية التي تتكون في سماء وتلبد فضاءها، فاستثمار اللحظة الحاسمة والاستفادة منها ليس بالأمر السهل، والمشي فوق الأشواك أو على حقول الألغام لا يمكن أن يكون ميسوراً. فالسياسة الدولية وظلالها على الموضوعات الإقليمية أكثر غموضاً مما نعتقد ونتصور، وقد كشفت الأزمة السورية واليمنية والاتفاق النووي الإيراني والحرب على الإرهاب، وما يجري في هذا الجزء من إفريقيا الذي نعيش فيه، إننا مقبلون على واقع جديد، تتفق فيه الدول الكبرى على تقاسم غنائمها وأسلابها، وما يظهر لنا من مساحات يعلب فيها بعض اللاعبين الإقليميين ما هو إلا غبار كثيف يغطي الحقيقة التي ترتدي قناعاتها وبراقعها.. > فالنظام الإقليمي العربي، طوال تاريخه لم يكُ مفصولاً أو قُطِع حبله السري الذي يربطه بالرحم الدولي المولود منه والمتكون أصلاً بداخله، وهناك تداخل بين مصالح النظام الدولي ونظامنا الإقليمي، فكل ما يدور الآن بلا موجهات ومحددات نابعة، حقائق منطقتنا وحاجاتها وضروراتها كما تراه هي بنفسها. فالصحيح كما تقول تقارير سياسية عربية، أنه يجري استكمال عولمة المنطقة العربية وتنميطها بعد أن اختفت تماماً تيارات الرفض والمقاومة والوحدة والتضامن ومقومات الدولة الوطنية، يجري تركيب هذا لفضاء العربي من جديد على نسق جديد أكثر تعقيداً من ذي قبل، تتصاعد فيه حدة التصنيفات وخطاياها السياسية، ستدمج في مشروع جديد هو أخطر بكثير مما سبق من مشرعات أُعدت قبل تسعين عاماً وانتهت فاعليتها لتبدأ مع نهاياتها صيغ جديدة. > يجري اليوم اختراق كامل للنظم السياسية العربية والإفريقية والتكوينات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والأنماط والخصائص الثقافية. فهل يا ترى نحن في السودان بكل قضايانا الداخلية الشائكة ومعضلاتنا الاقتصادية وخلافاتنا الحزبية وخطر تمزقاتنا الاجتماعية، نستطيع التعامل مع ما يجري حولنا وفي داخلنا..؟ وهل هناك من يربط ما بين التحولات الجارية حولنا والداخل السوداني حتي يفهم ويجعلنا نفهم ويدفعنا إلى بوابة الخروج؟!!..