مقالات متنوعة

هنادي الصديق : الغيرة لا تكفي


* وأخيراً جداً بدأت تظهر ململة ومطالبات حكومة الإنقاذ بسودانية حلايب بعد أن ظننا (وإن بعض الظن إثم) أنهم باعوها كما باعوا معظم أراضي السودان ومعالمه وآثاره وتاريخه.
* فالغضبة المفاجئة لنظام السودان في هذا التوقيت على موضوع احتلال حلايب وشلاتين من قبل النظام المصري، قد تصنف بأنها ربما (غيرة) فقط لا أكثر، ونتيجة حتمية للتقارب السياسي والعسكري والعلاقة الاستراتيجية بين النظامين المصري والسعودي، والتي بدأت ملامحها تظهر باعتراف النظأم المصري بسعودية جزيرتي (تيران وسنافير)، وما ترتب على هذا الاعتراف من (خير وفير) هبط على الحكومة المصرية وأولها الجسر البحري الذي سيربط مصر والمملكة العربية السعودية بقيمة ملايين الدولارات وغيرها من الخيرات التي ستنزل على أرض مصر.
* يبدو أن الحكومة السودانية تملكتها (الغيرة) أخيراً، وبدأت تتنحنح وتحرك لسانها مطالبة بحلايب التي كانت مجرد سيرتها في وسائل الإعلام، أمر مرفوض وغير محبذ، ولكن حكومتنا أخيراً جداً عرفت حجمها ومكانتها لدى الحلفاء الجدد المملكة العربية السعودية ومصر، وتأكد لمسؤولينا أن الشعب السوداني عندما بحَّ صوته مطالبا بحلايب وشلاتين واقتلاعها من بين أنياب الفك المصري كان على حق، وكان يستحق الإشادة بدلاً عن التوبيخ الذي كان حاضراً من قبل النظام، لأن المصالح وقتها كانت تقتضي (السردبة) وغضَّ الطرف عنها، ولكن اختلف الحال وتمايزت الصفوف، ووجدت حكومتنا أنها باتت في العراء وهي تقبض (الريح) بينما قبضت مصر (الليلة كلها)، وهي تعيش أجمل أيامها مع المملكة رغم غضب بعض المصريين وغيرتهم على التنازل عن أي شبر من أراضيهم.
* هذا هو الفرق بين حكومتنا وحكوماتهم، وترسيم الحدود الدولية أمر لا علاقة له في فقه بعض الدول بالتحكيم الدولي، بل بالعلاقات الاستراتيجية الواضحة والتي تعود بالفائدة المشتركة والمتفق عليها، وهذا لا يعني بالضرورة أن نتنازل عن حلايب وشلاتين مقابل علاقة استراتيجية مع مصر تحكمها (مصالح خاصة) وليست عامة، ولكن ينبغي الوصول لحل توافقي مع الحكومة المصرية في هذا الأمر الحساس ولا بد من انتزاع اعترافها بسودانية المنطقتين بعد زوال المؤثر الذي أدى لاحتلالهما من قبل النظام المصري الأسبق والسابق والحالي، والمؤثر معروف للكل بالتأكيد، ينتظر أن تسفر عنه الأيام القادمة والمفاجآت قادمة لا محالة.
* النظام الملكي السعودي حدد شكل العلاقة بينه وبين مصر وبينه وبين السودان، ومصر حددت علاقتها بالسودان، وهي العلاقة المبنية على المصلحة، بدلاً عن الأسطوانة المشروخة (العلاقة الأزلية بين الشعبين) وبين إحنا أبناء بلد واحد، وشاربين من نيل واحد، والحديث الممجوج الذي مللنا سماعه، لأن مصر معروفة كدولة استراتيجية في المقام الأول، (تحسبها بالملمتر والسنتمتر)، وهو ما يميزها عن الكثير من دول المنطقة.
* لابد من اتباع سياسة تعيد للوطن هيبته وأراضيه المسلوبة وهو المطلوب، وكنا تحدثنا عشرات المرات في هذه المساحة عن استخدام سلاح المقاطعة مع النظام المصري، المقاطعة السياحية والسياحة العلاجية، والاقتصادية بما فيها مقاطعة شركة مصر للطيران والاستيراد والتصدير للسلع الاستهلاكية وغيرها من أنواع المقاطعة، وأن يكون السفر لمصر للضرورة القصوى فقط، لتعرف الحكومة المصرية بقيمة السودان كأحد روافد الاقتصاد المصري.
* القليل من الحكمة، والكثير من السياسة والكياسة سنصل لما نريد، ولا أكذب إن قلت مهمة نظامنا صعبة لأنه باختصار يفتقد لهذه الصفات الرئيسية لأي نظام حتى ولو كان يحكم أصغر حي في أطراف العاصمة.