تحقيقات وتقارير

الخدمات الصحية في ظل العقوبات الأمريكية


الدعم المقدم من المنظمات في المجال الصحي إصطدم بالعقوبات التي تمنع استيراد الأجهزة الطبية
السودان حُرم من دخول الأجهزة ذات الجودة التي تسخدم في وقاية المواطنين من خطر الملاريا
معاناة كبيرة لمرضي الأيدز بسبب عدم توفره عقار وكواشف الفحص التي مصدرها الولايات المتحدة

* بقلم: هند بابكر عبد العليم

بدأت مأساة المواطن السوداني في 3 نوفمبر 1997م حيث أصدر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون قرار فرض العقوبات الأمريكية على السودان ومن ثم فرض حصار اقتصادي الزم الشركات الأمريكية بعدم التعامل الاقتصادي مع السودان.
أصبح السودان ضحية لتلك العقوبات التي تهدف إلى إضعاف المؤسسات وتعطيل مشاريع التنمية.. ولاشك أن الحصار كانت له تبعاته على أهم القطاعات الحيوية التي تتعلق بحياة المواطن السوداني وهو قطاع الصحة. وتسعى الجهات المختصة لتقليل آثار الحظر السالبة على الخدمات الصحية رغم التأثر الواضح بالعقوبات.
ويمكن إستعراض أهم المجالات التي يظهر فيها التأثير المباشر لهذا الحظر الجائر..
ففي مجال الطواريء والتصدي للأوبئة، شهد السودان في الآونة الأخيرة العديد من الأزمات والكوارث الطبيعية والحروب والنزوح في عدد من ولايات السودان والتي كان لها إنعكاس سلبي واضح على الوضع الصحي، مما أدى ذلك إلى زيادة الطلب على الخدمات الصحية. وهنالك العديد من المنظمات قدمت دعماً مالياً ولوجستياً ولكن اصطدم هذا العون الإنساني بالعقوبات حيث هنالك صعوبة في استيراد الأجهزة الطبية بما في ذلك قطع الغيار للعديد من المعدات الطبية المعملية أمريكية الصنع وعدم توفر بعض اللقاحات والأمصال الخاصة بعلاج ووقاية بعض الأمراض الوبائية مثل الحمى النزفية، وعدم توفر التدريب للعاملين في إدارة الأوبئة والطواريء الصحية.
ثانياً: وفي مجال الأمراض المعدية هنالك عدم توفير للأجهزة والمعدات ذات الجودة التي تسخدم في أعمال المكافحة لوقاية السكان من خطر الملاريا، وتمثلت في آليات وماكينات الرش والمبيدات ووسائل الاستشعار عن بعد وأنظمة العرف الجغرافي والتنبوء لحالات الملاريا وفقاً للمعلومات المناخية وأجهزة معدات تشريح الحشرات ونواقل الأمراض وغيرها.
ثالثاً: في البرنامج القومي لمكافحة الإيدز

تجلت الآثار السالبة للحصار على السودان في مكافحة وعلاج مرض نقص المناعة المكتسب. وفي عام 2009 احتاج بعض المصابين بالإيدز في السودان لعقار مصدره من أمريكا ولم تتمكن الحكومة السودانية من توفير هذا الدواء مما أحدث معاناة شديدة للمصابين بهذا المرض الخطير. وقد صعب الحصول على الكواشف الأمريكية الخاصة بنقطة الدم الجافة التي يتطلبها فحص نوع وباء الإيدز وذلك أدى لتأثر التقصي وتأخر معرفة نوع الوباء.
ووصل تأثير العقوبات الأمريكية على السودان لدرجة منع الاستفادة من الدعم الذي يقدمه المشروع المعروف باسم خطة الرئيس الأمريكي الطارئة للإيدز والتي تعتبر مصدر التمويل الثاني عالمياً بعد صندوق الدعم العالمي لمكافحة الإيدز والدرن والملاريا.
رابعاً: في إطار محور توفير الأدوية فقد أثرت العقوبات بصورة كبيرة على الإمداد الدوائي، فقد واجهت المؤسسة الحكومية المسؤولة عن شراء وتوزيع الأدوية صعوبات كبيرة. ولم يقتصر أثر العقوبات على القطاع الحكومي بل شمل شركات القطاع الخاص وأدى ذلك إلى نقص حاد في بعض الأدوية وانعدامها أحياناً نسبة للإجراءات المطلوبة في الحصول على رخصة الإدخال في حالة الأدوية الأمريكية أو صعوبة إيجاد البنك الذي يقبل تحويل من السودان.
ترتب على صعوبة إجراء المعاملات البنكية في الوقت المناسب نقص في الأدوية أو تأخر في زمن وصولها حيث يستقر البحث عن طريق الحل لمشكلة التحويل البنكي وخطابات الاعتماد المرفوضة زمناً طويلاً يزيد في بعض المعاملات عن 6 أشهر، فمثلاً في الستة أشهر الأولى من أحد الأعوام تم رفض أكثر من 20 معاملة بنكية (تحويلات) (خطابات اعتماد) وأدى ذلك إلى تأخر ونقص في 23 دواء وأيضاً إلى تأخر توفير في أدوية العلاج المجاني والطواريء.
وهنالك الكثير من الأدوية منقذة للحياة منها علاج مرض السكر الذي لا يوجد لديه بديل ومجموعة من أدوية علاج السرطان وعلاج الأمراض العصبية وأمصال كثيرة مثل مصل السحائي والانفلونزا وغيرها.
خامساً: إثرت العقوبات بصورة غير مباشرة على توفر المعلومات العملية ونقل التكنولوجيا وتأهيل العاملين في مجال الخدمات الطبية وحظر بعض المواقع العلمية وشراء الكتب والمجلات، واعتذار بعض المؤسسات التعليمية المتخصصة في مجال الإمداد الطبي من إقامة دورات تدريبية في السودان.
وتستمر سياسة الضغوط والحصار الاقتصادي على السودان بحجج ومبررات مختلفة لكن مهما كانت دعاوى الولايات المتحدة من إستمرار أجل هذه العقوبات وأي كانت الرغبات والأهداف إلا أنه ليس من الأخلاق ان تظل معاناة الشعب السوداني مستمرة، وأن يحرم المرضى من تلقي العلاج وتكون النتيجة موتهم بلا ذنب جنوه.

اي ام سي