مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : لسنا محايدين


قلنا إن الصحافي عندما يهم بإجراء حوار سيتقمص شخصية (الآخر)، ويجرد من نفسه شخصاً “معارضا” أن كان يحاور مسؤولاً حكوميا، ويرتدي جلباب الحكومة عندما يحاور “معارضا” ويستخدم الأساليب التي تستفز الضيف ليخرج “مكنونات” تفيد الحقيقة، وعندما يتخلى الصحافي عن هذا “التكتيك” سيصبح حواره أشبه بحوار مدفوع الثمن، أو حوار مخصص لوسائل الإعلام الدعائية سواء أكانت تابعة للحكومة أو المعارضة وليس معدا لوسائل الإعلام المستقلة، وبناءً على هذه النقطة يأتي اتهام الصحافي بأنه منحاز للحكومة أو المعارضة، ولكن في الواقع هو يتقمص شخصية المعارض أو المسؤول الحكومي لإنجاح حواره حتى لا يكون أشبه بحوار الذي يحاور نفسه أو حوار من طرف واحد، إذ لابد للصحافي أن يطرح وجهة النظر الأخرى ليتم الرد عليها، هذا “تكتيك” ضروري ولازم.
لكن هذا “التكتيك” الذي ما كان ينبغي أن يفوت على فطنة أي سياسي مبتديء، يسقط في امتحانه كثير ممن يمتهنون السياسة في بلادنا، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، منها ما نشره بعض الصحافيين في مقدمة حواراتهم ومنها ما تناولته مجالسهم الخاصة مما يثير الشفقة، والضحك أحياناً ..
ولتوضيح الصورة للقاريء الكريم، أذكر على سبيل المثال لا الحصر أن أحد قادة المعارضة البارزين اتهم الصحافية هويدا حمزة التي كانت تجري معه حواراً ساخنا بأنها مدفوعة من “جهات رسمية ” لإجراء هذا الحوار معه، وأشار لها بأن مثل هذه الأسئلة يعرف مصدرها.. والحق أن أسئلة الزميلة لم تخرج مما هو مثار في ساحة الخلاف الذي كان طاغيا بين الرجل وقادة حزبه في ذلك الوقت، لكنها أسئلة كانت في الصميم من شخص محترف يعرف كيف يخرج المعلومة من بيت “الكلاوي” وقد وضعته على كرسي ساخن، ولما ضاق منها ذرعا طردها من مكتبه وقال لها حرفياً: “أنا عارف الأسئلة دي كتبا ليكي منو..!!!”، مما اضطر قادة من حزبه للاعتذار للزميلة، ورجوها أن تسامح وتطوي تلك الصفحة ففعلت.
هذا المثال الذي أوردناه يقابله عشرات الأمثلة من قادة الحكومة والمعارضة، فإذا كان المسؤول حكوميا ولم تعجبه الأسئله لم يتلفت كثيراً لإطلاق الاتهام الإيحائي للصحافي بأنه صاحب أجندة معروفة للجميع بل هي أجندة من دفعوه لإجراء هذا الحوار، ويصنفه في الحال إلى قائمة المعارضة والعملاء والخونة، وإذا كان معارضاً لم يكلفه الأمر سوى عبارة فجة من شاكلة “نحن عارفنك إنت منو وشغال لصالح منو”، وهل استدل بأكثر من اتهام كل الصحافيين الذين كانوا حضوراً في مؤتمر صحافي شهير بدار حزب الأمة بأنهم من “جهات رسمية”، ذلك الاتهام الذي لم يستثنِ أحداً..
والأمر في تقديري هو محاولة يائسة للدفاع عن النفس ومواساتها لتبرير عجزها، لكنه كان دفاعاً بأسلحة “بنادق الطين”، لا يعبر إلا عن بؤس يخيم على مسرحنا السياسي الذي يعاني الهشاشة والركاكة والفقر وضحالة في الفكر وفي طريقة التفكير..
قبل “17” عاماً كنت والزميل هشام أحمد المصطفى نغطي ورشة عمل، سألنا أحد المسؤولين سؤالا لم يعجبه، فرد قائلاً: “نحن عارفين الجهة المرسلاكم، امشوا قولوا ليهم تعالوا أخدوا المعلومة بنفسكم بدل ما ترسلوا الصحفيين”.. هذه أمثلة قليلة لترهات كثيرة وإسقاطات عديدة تعبر عن الأوهام والظنون التي تدار بها المؤسسات الحزبية والرسمية في بلادنا بفعل أزمة الثقة التي أخذت بتلابيب كل شيء ولم تستبق شيئاً.. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة :
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.