مقالات متنوعة

احمد طه الصديق : صلاة تيك أوي


> أجرت صحيفة «السوداني» الأسبوع الماضي حواراً مع الشيخ محمد علي محمد أحمد إمام مسجد الغالي بمدينة الثورة، وأجرى الحوار حسن أبو ضلع، وقال المحرر إن المسجد يحوي قرابة ثلاثة آلاف مصلٍ تمتلئ بهم ساحة المسجد وأطراف شوارعه المجاورة، ويضيف قائلاً: «يكاد المسجد يحصل على لقب أول مسجد في البلاد يؤدي صلاة الجمعة في وقت مبكر، حيث رُفع النداء الأول لصلاة الجمعة عند الواحدة ظهراً، وبعد دقيقة واحدة صعد خطيب الجمعة ليرفع الأذان الثاني للصلاة، وعند الواحدة وعشر دقائق أُقيمت الصلاة، وهذا هو كل الزمن المتاح لصلاة الجمعة وكل جمعة بذلك المسجد الذي أطلق عليه «مسجد أبو سريع». > ونحن هنا في هذا المقال لسنا بصدد التعليق تحديداً على «مسجد أبو سريع» كما يطلق عليه بعض الناس، لكننا نريد أن نلقي ظلالاً من وجهة أخرى، ففي اعتقادي أن الرواج والقبول الذي يلقاه هذا المسجد لا ينفصل عن التحولات الاجتماعية وإسقاطاتها على الشباب بل حتى بعض الكبار، فالحياة المعاصرة لها تعقيداتها وما تفرزه من إيقاع سريع في معتركاتها المختلفة سواء أكان ذلك على سبيل الكسب المادي أو مناحي اللهو المتعددة، فالآن أصبحت محلات الوجبات السريعة «تيك أوي» حيث الساندوتش والعصير الجاهز هو المفضل، ولم يعد الشباب يفضل الأغنية الطويلة بلزماتها الموسيقية الطويلة كما كان عشاق المطربة الراحلة أم كلثوم في مصر وأنحاء عديدة من العالم العربي يتمايلون في طرب لأغنية تستمر زهاء الساعة، بل يطالبون بإعادة بعض المقاطع، لكنهم الآن يطربون لـ «برشمات» قصيرة وركيكة الكلمات والمضمون، ولهذا أصبح شعبولة بديلاً لعبد الحليم ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد، وحتى الأفلام والمسلسلات الدرامية الهادفة جبتها أكشن العنف وأفلام المخدرات والرقص والتبرج. > وفي تلك الأجواء الملبدة بالغثاء وغشاوة الوعي الجمعي، ظهر دعاة «مودرن» أرادوا أن يتماهوا مع هذه التحولات بعضهم مشعوذون وآخرون محتالون تعج بهم بعض قنوات الدجل أو بعض مجالس التدين الوهمية، حيث صار لهم أتباع وحواريون يعتقدون فيهم وينافحون عنهم باستماتة، ولهذا فإن كل هذه الظلال السلبية خصمت من مساحة التدين في القلب، وتحولت الصلاة لدى الكثيرين إلى واجب ثقيل في حين أنها كانت عند الصحابة رضوان الله عليهم راحة نفسية يترقبون أوقاتها في شوق، وينتظرون شهر رمضان في ترقب ولهفة، وبات بعض المصلين يؤنبون الأئمة بحجة الإطالة في الصلاة أو السجود، في حين أن الشيطان هو الذي يصور لهم ذلك، بينما يهرب آخرون من أداء الصلاة في بعض المساجد هرباً من إطالة متوهمة، مع أن أكثرهم الذين لا يصبرون على تلاوة ست أو سبع آيات حين يخرجون من المساجد يقفون قربها زهاء الساعة لتداول الحديث، كما أن بعض الشباب يتحرون أداء صلاة الجمعة في مساجد عرف أئمتها بالسرعة في القراءة والركوع والسجود وما أكثرهم في هذا الزمان، ومع ذلك نجدهم يقفون لفترات طويلة لدخول استادات كرة القدم، ويمكثون الساعات الطوال انتظاراً للمباريات دون ملل، وقد يتابعون مسلسلاً تلفزيونياً أو فيلماً تلفزيونياً بفواصله المتعددة، ولا غرو في ذلك، فنحن في عصر صلاة «تيك أوي».. لكن يبقى العزاء في أن هناك شباباً كثيرين بالمقابل يرتادون المساجد، بل أصبح بعضهم سدنةً لخدمتها وعمارتها ودعاةً للدين وهم في عمر الزهور.