مقالات متنوعة

هاشم كرار : أيّها الباكون عليها.. مهلا!


للمكان سطوة، تماما مثل الزمان.

يحنُّ المرءُ، لزمان ما، ومكان ما، لكن للمسافة- بين زمانين ومكانين- أيضا سطوة.

سطوة المسافة، لئيمة..

وليس هنالك،من لؤم أكثر لؤما، من ذلك الذي يدوسُ على المشاعر، والأحاسيس، ولا تهمه

الدموع!

يتأوّه، من استبدّ به الحنينُ، إلى «الزمكان»: «آه يازمان الوصل بالأندلس».. لكن سطوة المسافة، تمدُّ لسانها:

النجمّ أقرب!

هو النّجمُ البعيدُ، دائما هكذا، يبدو أقرب للوصل.. والمسافةُ-إلى الزمان الذي كان والمكان الذي كان- حرمانُ

دونه حرمان!

لكل إنسان في حياته، أندلسٌ مفقود،

فما أكثر تأوّهات البشر، على مر التاريخ،

وما.. ما أكثر الدموع.

هل الموتى يبكون، في البرزخ؟

هل هم يبكون الدنيا- زمانا ومكانا- تلك التي شغلتهم عمرا، وما انشغلت بهم، غير شغلها، أن تذهلهم- بلعبها وغرورها- عن التراب، ذلك الذي مامن بدُّه، بدُّ؟

أعرفّ أن الموتى يردّون السلام، إذ نرفعُ نحنُ إليهم السلام: يا أهل الدار الصامتين!

هم يردون السلام، لكن لولا كل هذا الضجيج في الدنيا، لكنا قد سمعناهم، يردّون: وعليكم السلام!

آه، ليس هو الضجيجُ..

إنها الدنيا، والدنيا وقرٌ في الأذن.. والدنيا عمى في العيون!

من؟، من من الذين يزورون المقابر، من يخبرني، ما إذا كان أهل المقابر يبكون الدنيا.

أيها الباكون عليها، مهلا،

ومهلا أيها المتباكين..

المسافة من الدنيا إلى البرزخ، بطول المسافة بين نفسين، وما أقصر تلك المسافة بين النفس الطالع والنازل!

ما اقصرها، وما أكثر لؤمها، وهى- المسافةُ السطوة- تتخّفى هذه المرة، في ثياب الغرور!

أيها الباكون عليها، مهلا..

ابكوا منها!