الصادق الرزيقي

أكثر كُلفة من الحرب ..!


> هل وضعت الحرب في دولة جنوب السودان أوزارها؟.. وهل ستكون عودة زعيم المعارضة رياك مشار إلى جوبا وأدائه القسم نائباً أول للرئيس وعودته لمنصبه السابق قبل تمرده في العام 2013م نهاية للصراع المسلح واستعادة الدولة الوليدة وعيها وانتظام دقات قلبها بعد أن وصلت مرة الغيبوبة وكانت تنتظر الموت الرحيم..؟ وماذا سنستفيد نحن في السودان من بداية التطبيق العلمي لاتفاقية دولة جنوب السودان، التي بذل فيها المجتمع الدولي وهيئة الإيقاد وقوى إقليمية، جهوداً جبارة ومورست ضغوط كبيرة على طرفي الاتفاق حتى وصل الى مرحلة التنفيذ، وعاد رياك مشار مرة أخرى إلى جوبا بعد مطاولات ومماطلات وتأجيل..؟ > لابد من النظر إلى سياقات كثيرة أفضت إلى النتيجة الحالية. فكلا الطرفين في جوبا منذ احترابهما لم يكونا راغبين في الالتقاء مجدداً والبدء من النقطة التي افترقا عليها، وبلغت المرارات الشخصية مبلغاً كان من الصعب رتق فتقها، ولم يكونا على استعداد لتقبل كل منها الآخر، لكن أسهمت الضغوط الدولية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية بالإضافة للإقليم الى إتمام التسوية، فليس هناك من يستطيع وسط المجتمع الدولي تحمل المسؤولية في انهيار دولة ولدت ولادة قيصرية قاسية وعانت كل أمراض المولود حديث الولادة. > وقد سعت جهات داخل جوبا حتى اللحظات الأخيرة، أو قل الساعات التي سبقت عودة مشار، إلى تعطيل مجيئه والحيلولة دونه، وقد تابع الجميع بشفق بالغ التطورات في الأيام الماضية بعد أن تأجلت عودة مشار ثماني مرات بأسباب واهية، لعبت فيها دوائر غربية وأخرى داخل دولة الجنوب على وضع العقبات الممكنة لتزهيد مشار في العودة ثم الرجوع إلى حالة الحرب واللا سلم، ولا يخفى على أحد أن تياراً داخل الجيش الشعبي في كتلة الرئيس سفا كير خاصة رئيس أركان الجيش الشعبي توعد الرجل الذي صار بالأمس نائباً أولَ للرئيس وأطلق تهديدات يفهم منها أن العودة المحفوفة بالمخاطر لن تستمر طويلاً، فهناك نُذر حرب داخلية تتراءى وراء الابتسامات والمشاهد الاحتفالية في جوبا، وتقبع وراء وخلف الكلمات الطيبة التي قالها الرئيس سلفا كير في خطابه عقب أداء مشار للقسم، وهناك زالزال واختلال متوقع في جوبا، كل ظروف احتقانه الحالية تؤهله للانفجار، ولذا من الصواب ألا نميل الى التفاؤل بأن جوبا قد ضمدت جراحها وستعود لها البسمة وسط ذكريات مؤلمة وأشلاء ودماء وجثث ماتزال طازجة.. > وبالنظر إلى تركيبة الجيش الشعبي بعد الحرب وحتى إدماج قوات مشار مرة أخرى، فليس من اليسير توقع تسير الأمور بصورة حسنة وسلسة، فهناك تعقيدات كثيرة وتفاصيل لزجة ستكون سبباً في خلافات لا حد لها في هذا الجانب. ففي صفوف الجيش الشعبي الذي يسيطر عليه الدينكا بشكل كامل ووجود طموحات لرئيس الأركان في وارثة سلفا كير نفسه، وربط كل هذا بموقف مجلس الدينكا من الاتفاق الذي أعاد غريمهم إلى سدة الحكم بضمانات وصلاحيات مؤيدة دولياً وإقليمياً، فالتكهن بعودة الأمور إلى مساراتها السابقة وطي الخلافات وحلول ربيع سياسي وشهر عسل دافئ بين طرفي الحرب لن يكون سهلاً. فرياك مشار القادم من ميدان الحرب، تتناوشه وساوس ما يقوله كارهوه من قيادات الجيش الشعبي ومن يسعون إلى التخلص منه، فسيكون في أحسن الحالات على حذره المعروف وسيحاول جلب المزيد من قواته واتباعه حوله مع إصراره على تنفيذ نصوص الاتفاقية حول تواجد الجيش الشعبي داخل العاصمة وهذه تكون من نقاط الخلاف المكتومة طيلة الفترة الماضية وستظهر للعلن ولا تعرف عواقبها إن ظهرت..فالاتفاق كما وضح كلفته أعلى بكثير لكل طرف من الخصمين من الحرب نفسها ..! > من جانب السودان، فهو المستفيد الأول من وقف الحرب في الجنوب وعودة الحالة الطبيعية إلى جاره الجنوبي، فالنازحين الجنوبيين الذين هجروا دولتهم ودخلوا الأراضي السودانية في ولايات الحدود وبعضهم وصل العاصمة الخرطوم، ستكون فرص عودتهم مواتية، كما أن جوبا في عهدها الجديد ستكون أكثر حرصاً على نطبيق الاتفاقيات المبرمة مع الخرطوم في العام 2012م خاصة الاتفاقيات الأمنية التي تمنع إيواء ودعم الحركات المتمردة وفي مقدمتها قوات الجيش الشعبي التابع لقطاع الشمال في الحركة الشعبية، فاستقرار دولة الجنوب مرتبط ارتباطاً عضوياً بطبيعة العلاقة مع السودان، فهل تنتفح كوة ومشكاة جديدة تجعل جوبا تفهم مصالحها، أم هناك خفايا وخبايا أخرى؟..