مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : سيَّر الأخيار.. خليل الرحمن


قد روى الحافظ أبو بكر البزار، عن عمرو بن علي الفلاس، عن عبد الوهاب الثقفي، عن هشام بن حسام، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي قال: “إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله قوله {إني سقيم} وقوله {بل فعله كبيرهم هذا}، وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة، إذ نزل منزلاً فأتى الجبار فقيل له: إنه قد نزل ها هنا رجل معه امرأة من أحسن الناس. فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختي، فلما رجع إليها قال إن هذا سألني عنك؟، فقلت إنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وأنك أختي فلا تكذبيني عنده. فلما دخلت عليه قام إليها فأقبلت تتوضأ وتصلي، وتقول اللهم إن كنت تعلم إني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر، قال: فغط حتى ركض برجله.

قال: ثم قام إليها، قال: فقامت تتوضأ وتصلي وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر. قال فغط حتى ركض برجله، قال أبو الزناد وقال أبو سلمة عن أبي هريرة: إنها قالت اللهم إن يمت يقل هي قتلته، قال: فأرسل.

قال: فقال في الثالثة أو الرابعة: ما أرسلتم إلي إلا شيطاناً أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها هاجر. قال: فرجعت فقالت لإبراهيم: أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخدم وليدة! تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط الصحيح”. فقوله في الحديث “هي أختي”، أي في دين الله، وقوله لها: إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك، ويتعين حمله على هذا لأن لوطاً كان معهم وهو نبي عليه السلام. وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة سارة وأم موسى ومريم عليهن السلام. والذي عليه الجمهور أنهن صديقات رضي الله عنهن وأرضاهن.

وفي بعض الآثار: أن الله عز وجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبينها، فلم يزل يراها منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه، وكان مشاهداً لها، وهي عند الملك، وكيف عصمها الله منه، ليكون ذلك أطيب لقلبه وأقر لعينه، وأشد لطمأنينته، فإنه كان يحبها حباً شديداً لدينها وقرابتها منه، وحسنها الباهر، فإنه قد قيل: إنه لم تكن امرأة بعد حواء إلى زمانها أحسن منها رضي الله عنها.

ثم إن لوطاً عليه السلام نزح بماله من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك إلى أرض الغور، المعروف بغور زغر فنزل بمدينة سدوم، وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان، وكان أهلها أشراراً كفاراً فجاراً.

قالوا: ثم إن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام، فأسروه وأخذوا أمواله، واستاقوا أنعامه. فلما بلغ الخبر إبراهيم الخليل سار إليه في ثلاثمائة وثمانية عشر رجلاً، فاستنقذ لوطاً عليه السلام واسترجع أمواله، وقتل من أعداء الله ورسوله خلقاً كثيراً، وهزمهم وساق في آثارهم، حتى وصل إلى شمالي دمشق، وعسكر بظاهرها عند برزة، وأظن مقام إبراهيم إنما سمي لأنه كان موقف جيش الخليل والله أعلم.

ثم رجع مؤيداً منصوراً إلى بلاده، وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرمين خاضعين، واستقر ببلاده صلوات الله وسلامه عليه.