مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : الاحتفاء بالهزيمة


يحكي الناس طرفة عن فريق كرة بولاية الجزيرة، وهي قصة حقيقية ومشهورة، لا أريد ذكر اسم ذلك “التيم”، المهم، تقول الحكاية إن ذلك “الفريق” تلقى هزيمة نكراء كادت أن تذهب نفوس مشجعيه حسرات على مرارة تلك الهزيمة البشعة التي كانت حصيلتها (11/ 1)، كان الفريق المهزوم يتلقى الضربات والصفعات الواحدة تلو الأخرى والتي كانت تبرهن على فشله وعدم كفاءته وضعف خبرته، وفي آخر ثلاث دقائق من زمن المباراة كانت النتيجة (11) صفر، وفي آخر دقيقتين من عمر المباراة سجل الفريق المهزوم هدفاً في شباك الخصم لتصبح النتيجة (11 /1).. لكن تخيلوا ما الذي حدث بعد هدفهم الوحيد؟!
هاج الملعب، واشتعلت النيران في العمم، والشالات، و”الجلاليب”، وضربت الدفوف، وعلت هتافات مشجعي الفريق المنهزم طرباً واحتفاء بالهدف الوحيد مقابل الـ”11″، ولم يكتفوا بذلك بل تسللوا إلى داخل الملعب، وهتافاتهم تشق عنان السماء وتخترق الفضاء : “تيت تيت إيلا حديد” -عفواً فريقنا حديد…
إن تعجب أيها القاريء الكريم، فاعجب لهؤلاء القوم الذين يغالطون الواقع ويحتفلون بالهزيمة ويسمونها نصراً مؤزراً ..
أتذكر هذه الطرفة حينما يحتفي مشجعو فريق الحكومة بانخفاض طفيف جداً في سعر صرف الدولار من ” 14000 ” جنيه إلى” 13700″ جنيه ، أتذكرها وأنا أسمع قرع الطبول واشتم رائحة البخور المحروق على صفحات بعض صحف المشجعين..
وأتذكر الطرفة، وأنا أسمع تصريحات كبار المسؤولين وهم يحتفون بمعلومة تقول إن السودان سجل أكبر نمو اقتصادي، وإني لأجد لك العذر أيها القارئ الكريم إن رأيتك محتارًا استعصى عليك الاختيار ما بين البكاء والضحك، وأنت الذي احساسك وحده ما يمثل ثيرمومتر قياس الحالة الاقتصادية في بلادك المنكوبة، لا كثافة الغابات الأسمنتية ولا نجاح استثمارات المسؤولين الخاصة…
أتذكر الطرفة حينما أسمعهم يقولون إن اقتصادنا سجل معدلات نمو أكبر مما سجله الاقتصاد الأمريكي..
أتذكر الطرفة حينما أرى مشجعي فريق الحكومة يحرقون البخور، كما حرق “أصحابنا” المهزومون العمائم والشالات ويضربون الدفوف ويقرعون الطبول ويحتفون بـ”نتيجة” تقول إن متوسط دخل الفرد السوداني أكبر من متوسط دخل الفرد في كذا وكذا من البلدان…
أتذكر الطرفة حينما أسمعهم يقولون إن اقتصادنا تجاوز كل أزماته، أتذكرها حينما أراهم يحتفون ويصفقون لهذه النتيجة التي لا نراها على أرض الواقع بينما يتلقى اقتصادنا الهزيمة تلو الأخرى بسبب ضعف وفشل الفريق الاقتصادي الذي “يسوط” داخل الملعب..
يبدو عادياً أن ترى الشخص يتلقى الهزيمة والضربات، ويبدو طبيعياً أيضاً أن يدرك ذات الشخص خطل سياسته وسوءات تخطيطه ليتلافى الأخطاء بعد الإقرار بها، ولكن ما ليس طبيعياً أن ينكر المنهزم فشله الذي قاده إلى الهزيمة ويحتفي بها ويسميها نصراً في محاولة يائسة لتغطية الفشل..
مهما قيل عن تجاوز الاقتصاد لأزماته، لا يغير شيئاً من وجه الحقيقة الكالح التي لا جدال حولها، وهي أن الفريق الاقتصادي الذي يمسك بخيوط اللعب هو فريق فاشل وغير كفء وغير جدير بالاستمرار والتواجد داخل الميدان، ولابد من تغيير كل “التيم” الفاشل، وهل من دليل على فشله إلا الذي أشرت إليه؟ وهل من دليل فشل أكثر من خطته الإسعافية التي استهدفت تخفيض الإنفاق الحكومي فكانت النتيجة تصاعد الإنفاق الحكومي إلى “9” أضعاف خلال عامين من عمر البرنامج الإسعافي المحدد بثلاث سنوات.