تحقيقات وتقارير

مذكرة الـ(52) سياسياً تغزل في منوال الحكومة الانتقالية وتسكت عن رئيسها!!


جامعة الخرطوم وخطر الاندثار تحت عجل قطار الصراع السياسي
الإعلام المصري ومخطط تخريب علاقات السودان بالخليج
حديث (السبت)
يوسف عبد المنان

يختلف السودانيون في كل شيء، ولكنهم يتفقون على ثوابت على أصابع اليد الواحدة، من بين تلك الثوابت أن جامعة الخرطوم هي رمزية علمية سامقة ومنارة فكرية باذخة وتاريخ وماضٍ مجيد، ولا تزال الجامعة العريقة تمثل فخراً للطلاب الذين تؤهلهم درجاتهم العلمية ولوج أسوارها.. وحتى عهد قريب حينما يقول شخص ما الجامعة فإن المقصود هي جامعة الخرطوم وليست جامعة أخرى.. ولعبت الجامعة أدواراً وطنية مهمة في بعث الثورات ومناهضة الحكم الشمولي.. والسعي لاستدامة النظام الديمقراطي من خلال تغذية أوعية الاستنارة.. وإضاءة بؤر الظلام بالعلم الحديث.. ولكن في السنوات الأخيرة ادلهمت بالجامعة الخطوب وكثر الطرق على جسدها.. واتخذتها القوى السياسية المتصارعة ميداناً للمبارزة والطحن السياسي.. وأصبحت جامعة الخرطوم صرحاً مضطرباً بسبب الصراعات التي تقودها القوى السياسية فتقهقر في الجامعة الوجود الفكري لتيار الإسلاميين والوجود الفكري لليسار الشيوعي.. ونبتت في تربة الجامعة تيارات عنصرية وجهوية وقبلية.. وأصبحت للحركات المسلحة التي لا تؤمن إلا بالبندقية وجود في مفاصل الحركة الطلابية.. فتنامى العنف والعنف المضاد.. وفي هذا المناخ أخذ أولياء الطلاب النوابغ يتجهون بفلذات أكبادهم نحو جامعات أخرى لا يسود ساحاتها العنف ولا يسمح فيها بالنشاط السياسي المفتوح، ينصرف الطلاب للدراسة والتحصيل بعيداً عن شبق المنابر.. وفقدت جامعة الخرطوم الكثير جداً من أعمدة بنائها حتى الأساتذة أشاحوا بوجوههم عنها.. جراء ما يحدث داخلها.. وإذا كان العنف في الوسط الطلابي قديم قدم الصراعات الفكرية في الساحة السياسية، فإن ما حدث الأسبوع الماضي من محاولات اعتداء من بعض الطلاب على أساتذتهم يمثل مرحلة جديدة بالغة الخطورة.. وحينما يرفع الطالب يده في وجه معلمه وأستاذه.. فإن الطالب يسقط ويرسب في امتحان الأخلاق.. وطلاب لا يحترمون أساتذتهم مكانهم آخر غير أسوار جامعة الخرطوم التي تواجه مصيراً مظلماً بيد أبنائها سواء كان خريجو الجامعة من صناع القرار في الدولة أو المعارضين الذين لا تأخذهم شفقة على أمهم الرءوم، وهم يحملونها على التباغض والعنف واتخاذ ساحتها ميداناً لمعاركهم وخلافاتهم وتطلعاتهم.. وقد اتخذ مجلس عمداء الجامعة يوم (الثلاثاء) الماضي قراراً بتعليق الدراسة إلى حين استقرار المناخ المضطرب في الجامعة.
كل ذلك على حساب جامعة الخرطوم وطلابها الذين يواجهون ظروفاً صعبة بسبب طموحات البعض وأحلام فئة قليلة من المشتغلين بالسياسة على حساب الأغلبية الكبيرة من الطلاب والأساتذة الذين لا شأن لهم بصراع السياسيين. وبعد أن قال مجلس الجامعة كلمته في إرهاصات نقلها من مقرها الحالي لمنطقة سوبا جنوب الخرطوم، وتمسك مجلس الجامعة برئاسة البروفيسور “الأمين دفع الله” ببقاء الجامعة التي أصبحت مبانيها التاريخية أثرية لا يحق للجامعة حتى صيانتها وتغيير ملامحها إلا بعد موافقة (الآثار) واليونسكو.. فإن نقل الجامعة من موقعها الحالي أصبح أمراً غير وارد الآن ولا في المستقبل القريب، ولكن من يحمي جامعة الخرطوم من طموحات السياسيين وصراعاتهم وعراكهم السلطوي الذي اتخذ من الطلاب الصغار، وقوداً لمعارك غيرهم وحطباً لنيران تشتعل في جسد الوطن المكلوم بالمحن والجراحات.
{ حكومة انتقالية كيف ولماذا؟؟
الشخصيات التي وقعت على المبادرة التي أطلقت على نفسها صفة القومية طالبت رئيس الجمهورية بإدخال البلاد في مرحلة انتقالية تقودها حكومة أطلق عليها اسم حكومة المهام الوطنية، تشكل من ذوي الكفاءة والخبرة والأمانة لتنفيذ برنامج أولويات ملحة سميت المبادرة بالسلام والإصلاح. وقالت الشخصيات التي وقعت المذكرة إنها تمثل قومية السودان وهي ليست بذلك وقد خلت من أسماء لشخصيات من المناطق المأزومة أو مسرح العمليات وميدان الصراع بين الحكومة والفصائل المسلحة، ونعني بذلك مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان وحتى دارفور لم يوقع على المذكرة إلا شخصيتان فقط.. الأستاذ “عبد الله آدم خاطر” والأستاذ “يوسف بخيت إدريس”، ووقع من كل ولايات الشرق الأستاذ “سليمان أونور”، فكيف تصبح هذه الشخصيات ممثلاً للسودان؟؟ وإن كانت القومية التي رمز إليها تعني الاستقلالية عن التكوينات السياسية، فإن أغلب الشخصيات الـ(52) من المنضوين لأحزاب وتكوينات فكرية قائمة في الساحة، وإن ابتعدت لأسباب تنظيمية في الوقت الراهن فإن أسماء مثل د.”الجزولي دفع الله” ود.”حسن مكي” ود.”خالد التجاني النور” و”الصادق الرزيقي” و”علي شمو” و”عبد الملك محمد عبد الرحمن” و”عوض السيد الكرسني” والوزير السابق “عبد الباقي الجيلاني” و”محمد محجوب هارون” و”محمد عبد الله جار النبي” ود.”الطيب زين العابدين”، هؤلاء يمثلون الحركة الإسلامية وبعضهم يمثل المؤتمر الوطني أو الحكومة أو من مشجعي المؤتمر الوطني، مثل د.”صبحي فانوس”. أما الأستاذة “مريم تكس” فهي عضو في المجلس الوطني من المؤتمر الوطني.. وحتى رجل الأعمال “صالح عبد الرحمن يعقوب” الذي كان من رأسمالية حزب الأمة أصبح اليوم من رأسمالية المؤتمر الوطني وغير بعيد عن الوطني. هناك “هويدا عتباني” و”نوال عبد الحليم أبو قصيصة”.. ومن الشخصيات التي تمثل أحزاباً معارضة “عبد الرسول النور إسماعيل” و”عمر فاروق شمينا” و”محمد يوسف أحمد المصطفى” الذي كان من قيادات الحركة الشعبية حتى وقع الطلاق التنظيمي بسبب اختيار “محمد يوسف” البقاء في الداخل وإدانة الحرب علناً ومطالبة قيادة الحركة الشعبية بالعدول عن خيار البندقية.. ذلك بشأن مظهر المذكرة التي وقعت عليها شخصيات تتولى مناصب في المؤتمر الوطني مثل “الصادق الرزيقي” ود.”مريم عبد الرحمن تكس” عضو البرلمان.
أما بشأن مضمون المذكرة فقد طالبت بمعالجة الحالة الوطنية المأزومة بالتوافق على التقدم إلى المرحلة الانتقالية التاريخية من موقع الأزمة السياسية الراهنة، مطالبة ببيئة سياسية مواتية لتحقيق التحول من حريات أساسية وعامة بما في ذلك حرية التعبير وتعزيز القبول المتبادل بين الأطراف الوطنية المتصارعة. ويعتقد الذين وقعوا على المذكرة أن هناك ثماني أولويات وطنية كأجندة مهام وطنية تشمل العمل عبر آليات وطنية لتحقيق العدالة والمصالحة والتعايش السلمي، ومعالجة مسألة المحكمة الجنائية الدولية، ثانياً ترسيخ مبدأ التداول السلمي وتأسيس حكم راشد يقوم على مبادئ الديمقراطية التعددية والفصل بين السلطات الثلاث لتأكيد احترام الدستور وسيادة حكم القانون وبسط الحريات العامة وحماية حقوق الإنسان، وثالثاً إصلاح الأوضاع الاقتصادية من خلال معالجة جذور الأزمة وتقديم حلول فاعلة لحل مشكلة الضائقة المعيشية.. ورابعاً إصلاح علاقات السودان الخارجية بما يخدم المصالح الوطنية لا سيما رفع العقوبات الاقتصادية والديون، خامساً تحقيق توافق وطني واسع حول الدستور وإجازته من قبل برلمان منتخب وعرضه في استفتاء عام على الشعب، سادساً إعادة النظر في النظام الفيدرالي بناءً على التجربة السابقة، وأخيراً إصلاح الخدمة المدنية ومحاربة الفساد بأشكاله كافة في كل المجالات واسترداد ما تم الاعتداء عليه من أموال.
واللافت للنظر أن أصحاب المبادرة تقدموا بها منذ الأسبوع الأخير من شهر مارس، حيث تسلم المذكرة الدكتور “فضل عبد الله” وزير شؤون رئاسة الجمهورية القريب جداً من الرئيس، ولم يعلن حينها عن اللقاء الذي جمع المسؤول الكبير ورئيس مجلس الوزراء في الفترة الانتقالية د.”الجزولي دفع الله” والبروفيسور “الطيب زين العابدين” والدكتور “الطيب حاج عطية” والدكتور “محمد محجوب هارون” والأستاذ “عبد الله آدم خاطر” والأستاذة “ماريا عباس”، وظلت المذكرة طوال الفترة في (الوضع الصامت) حتى خرجت محتوياتها للعلن (الثلاثاء) الماضي.. فهل قصد السادة موقعو المذكرة الإعلان عنها في هذا التوقيت لإثبات أن لهم سبقاً في ترتيبات يرونها قادمة!! أم الأحداث الأخيرة في الشارع العام والتظاهرات الطلابية التي شهدتها بعض أحياء العاصمة هي السبب في ظهور المذكرة التي لم (تدخل في بيت العنكبوت) أو تقترب من المنطقة التي بها (كلبة تحتضن صغارها)، فالفترة الانتقالية لها إيحاءات بعينها ومجرد الحديث عنها يثير حساسية الحكومة والمؤتمر الوطني.. أما وقد سكت موقعو المذكرة عن من يقود حكومة المهام الوطنية؟؟ ويعلم هؤلاء أن الرئيس “البشير” مفوض من قبل الشعب حتى حلول عام 2020م، وأية محاولة للانتقاص من سنوات التفويض الشعبي ستجد الرفض من قبل المؤتمر الوطني وحلفائه في الحكومة.. وقد فسر سكوت المذكرة عن من يتولى الفترة الانتقالية بأنه لا يساعد على التعاطي معها، فالمعارضة لن تقبل بغير رئيس تختاره هي وفق رؤيتها والمؤتمر الوطني وأحزاب الحكومة الحالية، بما في ذلك الحزب الاتحادي الديمقراطي برئاسة مولانا “محمد عثمان الميرغني”، لن يقبلوا بأية فترة انتقالية لا يقودها “البشير”؟؟ وبدأت مضامين مذكرة القيادات السياسية متماهية مع مطالب ذات قوى الحوار الوطني بقاعة الصداقة، إلا أن مطالب وتوصيات مؤتمر الحوار لن تذهب للرئيس مباشرة قبل خضوعها إلى لجان توافق ولجنة (7+7) ثم الجمعية العمومية للحوار التي تتولى إجازة التوصيات النهائية. ولا ترفض الحكومة وحزبها المؤتمر الوطني من حيث المبدأ مسألة حكومة القاعدة العريضة ولكنها (نفسياً) غير متصالحة مع اسم حكومة انتقالية بإيحاءاتها التي تعني خروج المؤتمر الوطني جزئياً أو كلياً من السلطة بعد إقرار ذلك المبدأ.
{ فخ الإعلام المصري
مصر في الداخل تواجه مشكلات عصية على الحل وبعد أن نجح الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” في وضع الإخوان في السجن وتجفيف منابع المعارضة، ظهر عدم رضاء الشارع عن الوضع الاقتصادي في البلاد.. والشعب المصري ظلت الحكومات المتعاقبة التي تحكمه (تضع) لها عدواً خارجياً لتوحيد الجبهة الداخلية.. وبعد أن كانت إسرائيل هي ذلك العدو.. جاءت من بعده حقبة إيران.. والعراق وانتهى الأمر بأن جعلت مصر في شهور د.”مرسي” المحدودة من قضية سد النهضة كقضية قومية لتوحيد المصريين، ثم أصبحت قطر وقناة الجزيرة هي العدو الذي يلتف الشعب المصري حول قيادته لدرء خطره. وفي خضم البحث عن عدو خارجي يغطي على عورات الحكم الداخلية ظلت جيوب الإعلام المصري وأبواقه تستدرج السودان لمعركة حول مثلث “حلايب” السوداني، وحينما تقاربت المسافات والرؤى بين الخرطوم وقيادة مجلس التعاون الخليجي مثلاً في المملكة العربية السعودية.. أخذ بعض المصريين يتربصون بعلاقات السودان مع البلدان الخليجية حتى (تخلجن) بعض الكُتاب المصريين للوقيعة بين السودان والإمارات والسودان والكويت، وجيوب التربص بالسودان داخل النظام المصري جعلت رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري المعين يقول: (على وزير خارجية السودان بروفيسور “غندور” أن يركب أعلى ما في خيله) والمصريون هم الذين نشروا أخباراً عن توقيع اتفاق مع شركة إماراتية لقيام مشروعات طاقة شمسية في “شلاتين” و”حلايب”.. وإثارة مثل هذه الأخبار أغضب بعض السودانيين في الوسائط الإلكترونية وبدأت ردود السودانيين على المتربصين المصريين تأخذ منحى سجالياً بين الطرفين ويتم الزج بالإمارات والسعودية لأغراض معلومة بالضرورة.. وقد نجح وزير الخارجية في إفاداته بالبرلمان الأسبوع الماضي من صب مياه باردة في البركان المشتعل حتى لا تعود أجواء التوتر والقطيعة مع بلدان الخليج.. بعد أن مرت جبهة هوائية باردة على العلاقات السودانية القطرية.. وبكل أسف الإعلام المصري يلعب لصالح أوراق حكومته بذكاء والإعلام السوداني يؤدي ما يريده الإعلام المصري بغباء.

المجهر