زهير السراج

هل نحن فى غابة؟!


* شهدت الاونة الأخيرة تطوراً سلبياً في ملف حقوق الانسان فى البلاد، تمثل في عدة مظاهر منها قرار المجلس القومي للصحافة بايقاف البعض من الكتابة في الصحف بحجة عدم الحصول على القيد الصحفي أو على إذن يخول لهم الكتابة من اتحاد الصحفيين، منهم المحامي والشاعر والكاتب الكبير كمال الجزولي، والأساتذة كمال كرار، وصلاح عبدالله وحيدر خير الله وثمانية آخرون، ولكلٍ اسهاماته وقراؤه ومعجبوه الكُثر، وحتى لو لم يكن الأمر كذلك، فالكتابة الصحفية نوع من انواع التعبير عن الرأي الذى تحميه المواثيق الدولية والوطنية، ولا يحتاج لإذن لممارسته، ويعتبر المساس به انتهاكاً صارخاً لحرية التعبير!!
* تزامن مع هذا الاجراء، القمع الذى واجهته الاحتجاجات الطلابية الأخيرة، وقرار مدير جامعة الخرطوم بفصل عدد من الطلاب بدون التقيد بالاجراءات المنصوص عليها فى لائحة محاسبة الطلاب والتى تتضمن تشكيل لجنة للتحقيق، ثم مجلس محاسبة ــ إذا ثبت للجنة وجود ما يستدعي المحاسبة ــ يوفر للمتهم كافة فرص الدفاع عن نفسه بما في ذلك اختيار استاذ من كلية الحقوق بالجامعة يتولى تقديم النصح القانوني له والاستعانة بأي عدد من الشهود للإدلاء بشهادتهم في القضية، على أن يرفع المجلس قراره لمدير الجامعة للتصديق عليه والاعلان عنه، ويكفل القانون للطالب او الطلاب المحاسبين الحق بالتظلم أمام المحاكم، وهنالك الكثير من السوابق التى ألغت فيها المحاكم قرارات المدير، كما استجابت الجامعة في سوابق أخرى للوساطات والإلتماسات وألغت العقوبات أو خففتها من تلقاء نفسها، وهو الأمر الذى نأمل أن يحدث في الواقعة الأخيرة خاصة أن بعض الطلاب على أعتاب التخرج، ولا يمكن لشخص مهما كان قاسي القلب أن يدمر مستقبل طالب ويكسر قلب أسرته ويبدد الآمال التى بنتها عليه!!
* لا شك أن العنف والتعرض للاساتذة أو منسوبي الجامعة بالفعل أو القول، سلوك مشين ومرفوض، ولكن بنفس القدر فإن اصدار العقوبة بدون التقيد بالخطوات السليمة أمر مرفوض، وإذا كان من حق القاتل ان يحصل على محاكمة عادلة تتوفر له فيها كل فرص الدفاع عن النفس، فكيف بمن يرتكب جرماً أو توجه إليه تهمة أقل، مع يقيني الكامل بأن تهمة اعتداء الطالب على الأستاذ لا تقل في مضمونها المعنوي عن جريمة القتل لأنها تهدر كل القيم الأخلاقية التى تعارفت عليها المجتمعات البشرية منذ قديم الزمان وحتى اليوم.
* في خضم هذه الاحداث وقع الاعتداء الذى يعرف الجميع كل تفاصيله على حرمة مكتب ومنزل المحامى الكبيرالأستاذ نبيل أديب واعتقال موكليه (الطلاب المفصولين من الجامعة) الذين لجأوا إليه لمناهضة قرار الفصل قانونياً، وموظفتين تعملان معه، فى انتهاك صارخ للقوانين الدولية والوطنية التى تعطي الانسان حق اللجوء الى محام للتقاضى أمام المحاكم، بدون المساس به أو بمحاميه من أى جهة من الجهات، وإلا انهارت العدالة وتحول المجتمع الانساني الى غابة، ولا ادرى إن كان المقصود من هذا الفعل هو تخويف المحامين من أداء عملهم أم ماذا!!
* والغريب أن يحدث كل ذلك، والحكومة السودانية تجتهد منذ سنوات لاقناع المجتمع الدولي بجديتها فى تحسين اوضاع حقوق الانسان السوداني، ولقد زار بلادنا المبعوث الدولي لحقوق الانسان قبل بضعة ايام، كما يوجد وزير العدل السودانى الآن فى جنيف من اجل تحقيق نفس الغاية، فمن يصدقنا إذا كنا نقول شيئاً، بينما نفعل شيئا آخر إلا إذا كنا نعاني من أنفصام الشخصية؟!