مقالات متنوعة

عبدالرحمن خالد البابطين : نجاحات للاستعمال مرة واحدة


الحضارات التي لا تفنى هي التي تترك وراءها إرثاً ثقافياً، واليوم لا نشاهد من حضارة الرومان، لا حروبها ولا صراعاتها، ولكننا نشاهد أوابدها التاريخية وآثارها الفنية، وكذلك بالنسبة للفرس، وهذا ما حصل أيضاً للحضارة العربية الإسلامية في الأندلس.. غابت الصراعات، وتوارت عن أنظار الإنسان صراعات ملوك الطوائف والاقتتال بين الشعوب، وظلت مجرد أحداث في كتب التاريخ أو في ذاكرة البشرية، ولكن ما هو موجود على أرض الواقع من آثار ذات طراز معماري مدهش، هو الأبقى عبر الزمان.

هذا ما كنت أفكر فيه وأنا أتابع عن كثب خلال زيارتي الأخيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة، لحضور حفل توزيع جوائز مؤسسة سلطان العويس، الذي تزامن مع إطلاق مشروع “تحدي القراءة”، وهو أكبر مشروع عربي أطلقه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لتشجيع القراءة لدى الطلاب في الوطن العربي.

ومن دواعي الاعتزاز أن الطالبة الكويتية جوري العازمي، من مدرسة النور للمكفوفين، نالت المركز الأول على مستوى الكويت، وأعتبر هذا مدخلاً لمقالتي.

لا شك أننا في الكويت أقدمنا على مبادرات في القراءة، وخصوصاً تلك التي يقوم بها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، حيث أقام العام الماضي مهرجانا متميزا بعنوان “وألقِ بصرك”، بالتعاون مع مجموعات شبابية، تتقدمهم الناشطة الثقافية رزان المرشد.

يومها شهد المهرجان اهتماماً واسعاً، وغنى فيه المطرب مارسيل خليفة، ولكن هل تبقى هذه الأنشطة في إطار الارتجال أو الطفرة الثقافية، أم نضعها ضمن خطة مبرمجة لتكون دائمة؟ وهل سيتكرر هذا المهرجان أو هو مرة واحدة؟ وخصوصاً أن المهرجان الماضي كان في شهر أبريل، ومضى شهر أبريل لهذا العام ولم تتكرر التجربة.

حقيقة، نحن لا نستثمر فعالياتنا الناجحة، ونفرح بنجاحها ثم نجعلها للذكرى، أي هي نجاحات نستعملها مرة واحدة، وكأنها أدوات استهلاكية تستعمل فترة ثم تلقى في زوايا الإهمال.

ولو نظرنا إلى برنامج “تحدي القراءة” في الإمارات، لوجدنا أنهم شكلوا لجنة متخصصة، تبدأ من وزير شؤون مجلس الوزراء، وتمر بمتخصصين في هذا المجال، أي ربط الرسمي بالشعبي، كي تكون هناك آلية لتكريس البرنامج ومتابعة تنفيذه واستمراريته في المجتمع.

لا شك أن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب يقوم بدور كبير في الساحة الثقافية، ولكن المنافسة الثقافية اليوم أصبحت تتطلب رؤية مدروسة كي تدخل في نسيج التنمية المجتمعية، وهذا المنحى الثقافي بدأت تدركه جيداً الدول التي لديها خطط تنموية بعيدة المدى، وهو ما التفتت إليه المملكة العربية السعودية ضمن الأوامر الملكية الصادرة أخيراً، التي تشمل إنشاء “هيئة عامة للثقافة”، وهي خطة على الأغلب تمهيدية لرؤيتها لعام 2030.

نحن لدينا كل المقومات التي تجعلنا نضع برامج بعيدة المدى ثقافياً، ولدينا العقول القادرة على ذلك، كما ندرك جيداً العقلية المحفزة والمشجعة التي يمتلكها وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الشيخ سلمان الحمود الصباح، ولا يتبقى أمامنا سوى إشارة البدء.