صلاح الدين عووضة

دنيا !!


*لم يكن يملك من متاع (الدنيا) شيئاً..
*أو بالأحرى كان يملك فرشاً مهترئاً وإبريقاً (مطفقاً) وثياباً رثة و(بقجة) مهلهلة..
*لم يكن متسولاً – محترفاً – رغم إن حاله كان يُوحي بذلك …
*ولكن إن جاد عليه شخص بشيء ما فإنه ما كان يرفضه …
*ما كان ينطق أبداً ؛ فإن فعل فلا يزيد عن كلمة واحدة هي ( دنيا ) …
*وما كنا ندري ما يعنيه بمفردة (دنيا) هذه …
*هل كان يسخر ، أم يتحسر، أم ( يتفلسف) ؟ …
*وبما أننا كنا طلاب فلسفة فقد أعجبنا أن نرجح الاحتمال الأخير هذا فسميناه ( الفيلسوف) ..
*فكلمة ( دنيا) – كما كان ينطقها – لا يمكن أن تصدر إلا عن متفلسف ..
*فربما رأى من ( الدنيا ) ما جعله ملازماً لميدان منسوب اسمه إلى شعوب (الدنيا ) كافة..
*وربما لم يكن يضحك فلم ( تضحك الدنيا معه )..
*أو ربما تنكرت له (الدنيا) كما تنكرت لزميل لنا فتاة اسمها ( دنيا)..
*فكاد أن يحجز لنفسه مكاناً بجوار الفيلسوف…
*وأياً ما كان السبب الذي جعل من رجلنا ذاك فيلسوفاً ( أممياً) فإنه ما عاد مهموماً بـ(الدنيا ) ..
*وصفة ( أممي) نعني بها هنا انتساب الموصوف إلى ميدان الأمم المتحدة..
*ولكن ( المحلية) قد تكون أحياناً هي الطريق نحو( الأممية) كما حدث لروايات أديبنا الطيب صالح ..
*أما ( دنيا) أديبينا المحجوب وعبد الحليم فقد طبقت شهرتها الآفاق رغم جهل الناس بالاسم الحقيقي لتلكم (الدنيا) ..
*وربما سمياها كذلك لأنهما رأيا منها ما جعل فيلسوفنا لا ينطق سوى بكلمة ( دنيا) ..
*وصباح يوم فوجئ الناس باختفاء صاحب كلمة (دنيا) هذه عن (دنيانا)..
*اختفى تماماً ؛ بفرشه وإبريقه و(بقجته) …..
*هو شيء مثل (موت دنيا) لدى كلٍّ من المحجوب وحليم ….
*وعقب اختفائه بيوم واحد ألقى النميري خطاباً استفزازياً أثار به غضب الناس..
*وضرب الناس أكفاً بأكف وهم يدمدمون غضباً ( دنيا والله )…
*ثم ( ثاروا)……………… و(ثأروا) ..
*ولكن فيلسوفنا لم يُر بعد ذلك أبداً…….
*وما جعل الناس يفتقدونه – بعد الثورة – هو تشوقهم لسماع كلمة (دنيا) ..
*فقد كان ذلك هو وقتها تماماً على وقع موسيقى تصويرية لأغنية (أنت يا مايو الخلاص )..
*فهي باتت تُقرأ : أنت يا مايو ……………(خلاص) ..
*ودنيا …………..!!!