تحقيقات وتقارير

قطـاع الألبان..حقائق صـادمة (1)


تحقيق: رانيا عباس تواضع الرقابة على الغذاء بمعظم الجهات التشريعية والتنفيذية في البلاد أدى إلى قلق المستهلكين وتخوفهم من الآثار السالبة لما يقدم لهم في مؤسسات الخدمات الغذائية (مزارع- حظائر- المصانع والمطاعم …إلخ)، فالواقع يكشف عن تجاوزات غير مشروعة في تجارة الغذاء، وتضليل للمكونات الخطرة في بعض الأغذية، إلى جانب غياب برامج التوعية الفاعلة لحماية المستهلك من الوقوع في المحظور.. ما يعني أننا أمام قصور واضح في الامكانات البشرية والفنية والتنظيمية لحماية المستهلك في مجال الغذاء.. قطاع الالبان دار فيه كثير من اللغط ولأن أي قطاع تحوم حوله بعض الشبهات وبه شواذ يحسبون عليه أو جهات تستهدف ذاك القطاع، في الوقت الذي يتطلع فيه المستهلكون أن تكون هناك جهات حكومية تتولى قبول شكواهم ضد المطاعم والمصانع والحظائر التي تهدد صحتهم، وتحرر الدعوى ضدها أمام المحاكم.. (الانتباهة) تواصل طرق هذا الملف، فإلى إفادات المختصين: جهات وشائعات الشائعات التي طالت قطاع الالبان ليست بالبسيطة.. والفيديوهات التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والاتهامات أضرت به كثيرا.. (الانتباهة) استفسرت رئيس غرفة الالبان بالغرفة التجارية الزبير ابراهيم عن مدى النار التي اكتوى بها القطاع جراء تلك الشائعات.. حيث بدا مهتما وكأنه انتظر طويلا أن يشرع الاعلام في التحقيق حول ما يدور من تلك الشائعات، فأخرج هواءً ساخنا وانتقادات لاذعة كأنما كان يغلي من الداخل، فاتهم جهات لم يسمها تقف وراء شائعات الالبان.. واعتبر ذلك حربا ضد منتجي الالبان.. ووصفها بأنها زوبعة إعلامية وتضخيم للاشياء، فالالبان يتم إنتاجها بدرجة عالية من الجودة وحتى تصل للمستهلك لسبب بسيط جدا أنها تنتج داخل ولاية الخرطوم (مجمعات حلة كوكو- السليت) كما أن للالبان خاصية و(انزيمات) تحفظها لفترة أربع ساعات فيقوم الموزعون بايصاله للمستهلك بحالة جيدة أو للبقالات، ويتم حفظه وتبريده.. عندها يمكن أن يمكث فترة عشرة ايام محافظا على جودته. ورغم ذلك نعتبر طرق التداول الحالية غير سليمة، وقامت هيئة المواصفات بجمع عينات من المزارع فوجدتها سليمة.. وجمعت عينات أخرى من الموزعين ،وجدت نسبة ضئيلة من الاضافات ولن نستطع القول إن كل الناس هم ملائكة قطعا لا. الحد المسموح ومن جهته كشف رئيس اللجنة الفنية للالبان بهيئة المواصفات والمقاييس بروف. حسين ابوعيسى أن للالبان مواصفات تحدد صفاته ونوعيته ومحدداته والحد المسموح او غير المسموح به، وأن يتم ترحيله وتجهيزه وحفظه وتوزيعه.. ولكن ما يتم من توزيع للالبان في (براميل بلاستيك) غير مسموح به وإنما يجب أن يوزع في أواني (المونيوم) أو استخدام أواني (استانيلس استيل) تكون معقمة في الشمس لأن حرارتها عالية خاصة في الصباح.. أما المساء يمكن استخدام الماء الساخن في غسل الاواني، وقال ابوعيسى: (نحن فنيون) فقط نضع المواصفة، ولكن على الجهات الاخرى تقع الرقابة وأجملها في (وزارة الصحة والمحليات والنظام العام …). حملات تفتيشية أما فيما يختص بالحملات، فقال ابوعيسى إنها تتم بمشاركة هيئة المواصفات والمقاييس وادارة الرقابة الغذائية بوزارة الصحة وجمعية وشرطة ونيابة حماية المستهلك ووزارة الثروة الحيوانية بولاية الخرطوم والامن الاقتصادي.. ونحن كخبراء مهنيين نشارك في تلك الحملات، ورغم كثرة إجراء الحملات ينتهي الامر دون حسم واضح.. وعلى الجهات المعنية تشديد الرقابة، ويفترض أن يتم توزيع الالبان (مبسترة) بدلا عن خام للمستهلك وهو الامر الخاطئ. وانتقد ابوعيسى عدم وجود أجهزة (بسترة) كفاية وحصرها في ولاية الخرطوم فقط، فما بالك بالاقاليم ماذا تفعل؟.. لذلك يتم التغاضي عنها لاستحالة طلبها في مناطق دارفور أو كردفان والتركيز على النظافة والاجراءات الصحية لتقليل أي تلوث حتى لا يتلف اللبن لأنها خسارة اقتصادية، مطالبا بالمحافظة على القيمة الاقتصادية والغذائية للسلعة. منع الإضافات وإذاأضافت المصانع أي زيادات يجب أن توضحها ليعلم المستهلك حتى معلومة نسبة الدهن أي محتويات السلعة، أما المنكهات غير مسموح بها لأن دستور الغذاء العالمي لديه موجهات نستعين بها وغير ذلك يعتبر مخالفات وتقصير من الجهات الرقابية، فهي مسوؤلية جمعية حماية المستهلك ونيابة حماية المستهلك وشرطة حماية المستهلك والنظام العام، هذه جهات سلطوية. عينات عشوائية في ذات الاثناء كشف ابوعيسى أن الحملات التفتيشية تتم بناءً على الابلاغ أو أخرى دورية، أو تجري فجأة دون ترتيب مسبق، وليس لها برنامج محدد في مداخل أم درمان وجنوب الخرطوم.. وأحيانا تكون في الساعات الاولى من الصباح وتؤخذ عينات عشوائية.. والتي كشفت بدورها عن وجود إضافات في الالبان ودائما تكون الزيادات (ماء)، وأردف: يوجد عدد قليل يضيف (البنسلين) ليحافظ عليه لاطول فترة زمنية.. أما (الفورملين) ضبطت مرة واحدة فقط وتمت محاكمته منعا لحدوث هلع وسط المستهلكين. فترة السحب وبرأ ابوعيسى المنتجين من عملية غش الالبان وقال: الالبان تخرج من المزرعة نظيفة وسليمة ولكن هناك بعض الوسطاء يتلاعبون في الالبان، بجانب الغش من السماسرة والوسطاء، واعتبر أن إشكاليات المزارع من ناحية النظافة والتغذية وعلاج الحيوانات بمضاد حيوي، فهنالك فترة تسمى فترة السحب للحيوان المريض الذي تتم معالجته، يجب ألا يتم حلبه لفترة تتراوح ما بين 3-5 أيام حسب نوع المضاد.. ولكن لا يتم التقيد بتلك الاجراءات من قبل اصحاب المزارع لأسباب اقتصادية لحاجته إلى بيع اللبن. ودعا ابوعيسى لعدم بيع ألبان الحيوانات المريضة وخاصة التي لم يتم تشخيصها لوجود أمراض تصيب الحيوانات تنتقل عبر الالبان للانسان.. معالجة خلل ونفى ابوعيسى وجود تدخلات بالقانون، وقال إنها ليست تدخلات ولكن لا يوجد تشدد في الاجراءات، فيما دافع عن سلحفائية التقاضي بأن (الجرجرة) القضائية من فتح بلاغ وتحر وتحديد للقضية و(السيستم كده) لذلك يكون الاجراء من قبل بعض الجهات فورا بالإغلاق لمعالجة خلل واضح لا يمكن أن تنتظر القاضي ليحكم في القضية.. واللائحة تجيز ذلك بإيقاف العمل والإغلاق ومصادرة الالبان وسكبها في الشارع العام بعد التأكد من الغش فيها. عقوبات صارمة وكان المراجع العام الطاهر عبد القيوم كشف عن مخاطر بيئية وتلوث غذائي بقطاع الألبان.. وفيما اتهم الجهات الرقابية المعنية بالأمر بالتقصير، طالب بمساءلتها واتخاذ الدولة تدابير عاجلة لدرء المخاطر البيئية بالقطاع والحد منها.. وأعلن تقرير رسمي للمراجع العام تحصلت عليه (الانتباهة) عن مخالفات وتلوث بيئي داخل الحظائر.. وأكد التقرير استخدام أوان مخالفة للاشتراطات الصحية لنقل الألبان في البيع والتوزيع بنقلها عبر البراميل والأكياس البلاستيكية.. وحذر المراجع بأن الأمر سبب مباشر للسرطانات.. وطالب بتوقيع عقوبات صارمة تجاه المخالفين وتقديم أصحاب الحظائر لنيابة المستهلك.. وأبدى قلقه من عدم الالتزام باشتراطات تصديقات إنشاء الحظائر.. وأكد المراجع تقصير الأجهزة الرقابية بوزارة الصحة الاتحادية. اضطرار لاستخدام المبيدات وكان تحدث مدير ادارة صحة البيئة بوزراة الصحة لولاية الخرطوم د. عبدالله بخيت عن انعدام الرقابة وتدهور الوضع الصحي بحظائر الالبان.. ووصف النظافة والبيئة العامة بمعظم الحظائر أنها سيئة للغاية، فضلا عن توالد الذباب بكثافة.. وهي بدورها تعمل على نقل الامراض ما يجعل السلطات الصحية تضطر لاستخدام المبيدات للقضاء عليها.. وأضاف أن الحظائر غير مطابقة للاشتراطات الصحية، منها (حظائر منخفضة تجمع مياه الامطار، عدم وجود نظام للتصريف، وقربها من المناطق السكنية)، بجانب سوء طريقة الحلب وحفظ الالبان في براميل بلاستيكية تم استيرادها بداخلها مواد كيمائية، بالاضافة لسوء نظام التغذية للحيوان بسبب اختلاط العلف بالروث. وطالب خلال ورقة عمل بتطبيق الاشترطات الصحية بكل مزارع الالبان ومراكز توزيعها بالولاية، والتأكد من التزام مصانع الالبان بالاشتراطات الصحية وإزالة كل المخالفات الصحية في سلسلة إنتاج الالبان باستخدام القانون. خطورة الوضع واتهم بخيت المحليات بعدم مساهمتها في توفير الخدمات اللازمة.. وحرصها على فرض الجبايات، ورجح اشكالية الرقابة من قبل الجهات المختصة لعدم وجود معينات للمفتشين للقيام بدورهم المطلوب لربطهم بالتحصيل قبل التفتيش، علاوة على وجود معامل غير مكتملة التجهيز وارتفاع تكلفة فحص العينات، وأضاف أنهم بالوزارة يفضلون إغلاق المنشأة بدلا من فتح بلاغ، لأن العلة في تطبيق القوانين رغم صرامته نسبة لوجود تداخلات في التطبيق. شكاوى عدم الالتزام في ذات الوقت كشف مدير ادارة الرقابة والتفتيش بالمجلس الاعلى للبيئة ندى عبدالعزيز عن تلقيهم شكاوى عدة من مواطنين لقرب مزارع الانتاج الحيواني لمناطق سكنهم ومعاناتهم من إشكاليات التلوث الهوائي..ووصفتها بالروائح الكريهة لعدم التزامهم بالنظافة والتخلص من المخلفات أولا بأول.. وأضافت خلال حديثها لـ(الانتباهة): رغم ذلك يمكن الاستفادة من مخلفات الابقار ونحن بالمجلس نشجع استخدام (البيوغاز) والاسمدة وتوليد الطاقة من مخلفات الانتاج. ممارسات غير صحية فيما أوضح رئيس قسم صحة وسلامة الاغذية بوزارة الصحة لولاية الخرطوم عبدالمنعم علي عطا أن اختصاصات القسم في الجانب الفني فقط، كالمشاركة في وضع الخطط والبرامج الخاصة بصحة وسلامة الاغذية، ووضع مسودة الاشتراطات الصحية لمحلات الاغذية، وتقييم مصانع الاغذية، وتنظيم عمليات إبادة المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الانساني، ووضع وتنفيذ مسوحات صحية في مجال الاغذية واقتراح القوانين واللوائح الخاصة بالاغذية.. أما الجانب التنفيذي في مجال الاغذية من صلاحيات المحليات حسب قانون الحكم المحلي لسنة 2007م لولاية الخرطوم. والقسم يقوم بوضع الاشتراطات الصحية للمحافظة على صحة وسلامة الالبان أثناء إنتاجها وترحليها وتوزيعها وتصنيعها. ولفت خلال حديثه لـ(الانتباهة) الى وجود عدة مخالفات، منها عدم تطبيق الاشتراطات الخاصة بأماكن إيواء الحيوانات وعدم الاهتمام بنظافة الحظائر، بالاضافة الى ممارسات غير صحية للعاملين. والمواصفة التي قامت الوزارة بوضعها حددت نوع المواد التي تصنع منها الادوات والمعدات المستخدمة في الحليب والتي تهدف الى منع التلوث في المقام الاول.. والذي يمكن أن يحدث ولكن بعض الاحيان لا يتم الالتزام باستخدام الادوات المطلوبة.. ما يحتم توفير الامكانات اللازمة للسلطات الرقابية بالمحليات للحد من تلك الظواهر وألا يكون عمل هذه السلطات اثناء الدوام الرسمي فقط. فلابد من أن تتم الرقابة في الفترات المسائية وفي الصباح الباكر وهو غير موجود حاليا بسبب عدم توفر الحد الادنى من وسائل الرقابة.. وأن الحظائر بها مشاكل، فالبيئة غير نظيفة من الروث وغيره وقد تؤدي الى تلوث الالبان وتوالد الذباب خاصة بفصل الخريف الذي يعتبر مصدرا لانتاج كميات كبيرة من الذباب وآفات أخرى مثل القراد وانتشار الروائح الكريهة بفعل التيارات الهوائية.. مطالبا بضرورة التنسيق بين الادارات ذات الصلة لدراسة الوضع الراهن للمزارع واتخاذ الاجراءات التصحيحية والتنسيق في الترخيص وتطبيق الاشتراطات الصحية. تقييم الرقابة وأقر بتقصير الجهات الرقابية لعدم توفير الحد الادنى من الامكانيات ووسائل الحركة للرقابة الميدانية في الفترات المختلفة خلال اليوم خاصة في الصباح الباكر والمساء.. والتنسيق غير الفاعل بين الجهات ذات الصلة في الرقابة على الاغذية يؤدي الى ضعف الرقابة.. وطالب بمراجعة جانب العقوبات لأنها ضعيفة وغير مضمونة المستجدات ومشاكل أخرى كالبطء في الاجراءات، لكن القوانين التي تحكم الرقابة على الاغذية على المستوى الاتحادي والولائي جيدة. وختم حديثه بأن تقييم مستوى الرقابة على الاغذية في كل الدول لابد فيه من توفر ثلاثة عناصر مهمة، وهي القوة البشرية والقوانين والمعامل المجهزة.. أما عن الكوادر فهي مؤهلة وتتوق لتطبيق كل ما تملك من خبرات على أرض الواقع إذا توفرت لها الامكانيات. معالجة جذرية من جهتها قطعت مدير المركز السوداني لثقافة وحماية المستهلك د. أم سلمة عبدالماجد بعدم وجود إمكانية لبتر الاضافات للالبان إلا بمعالجة جذرية عبر ترقية وتطوير القطاع بإدخال وسائل نقل مبردة، لافتة الى أن فكرة غرفة الالبان موجودة منذ العام 2009م ولكن الامكانيات حالت دون تحقيقها وكانت العائق الوحيد. وأكدت وجود اتفاق مع وزارة المالية والاقتصاد وشؤون المستهلك بولاية الخرطوم لإدخال وسائل نقل مبردة للالبان ووضع حلول لتطوير القطاع عبر (البسترة) والتعقيم.. واعتبرت أن الاضافات التي تحدث (فورملين-ماء وبنسلين) قد تكون نتيجة جهل وعدم معرفة من التاجر أو الموزع، فضلا أنها تسبب الفشل الكلوي والحساسية والسرطان، والمضادات الحيوية تعمل على مقاومة الجسم للمضاد الحيوي عند العلاج بحيث لا يستجيب الجسم للادوية.. وسخرت من حديث المواصفات بأن الإضافات ذات نسب ضئيلة.. وأن نقل الالبان عبر (البكاسي والكارو) تعتبر طريقة تدوال غير سليمة ما يعرضها للتلوث.

الانتباهة