مقالات متنوعة

اسماء محمد جمعة : دولة الظلم


الذي لا يختلف عليه اثنان هو أن السودان ظل يعاني من عدم الاستقرار السياسي قبل الإنقاذ، ولكنه تأزم في عهدها، ولذلك استفحلت مشاكله وعانى من عدم الاستقرار الاجتماعي، وبسبب سياساتها العقيمة تعقدت كل المشاكل والأزمات التي كان يمكن تجاوزها بسهولة فتراجع السودان عن مواقع كثيرة كان يحتلها.
عدم الاستقرار السياسي يعني عدم قدرة النظام على تفعيل وتقوية مؤسسات الدولة والتعامل مع الأزمات التي تواجهه بنجاح، ويعني عدم قدرته على إدارة الاختلافات القائمة داخل المجتمع بشكل يخلق التناغم ويستوعب الصراعات بدرجة تحول دون وقوع العنف فيه، فالعنف في أغلبه هو أحد نتائج عدم الاستقرار السياسي مهما كانت مظاهره.
في مقابل ذلك الاستقرار السياسي ظاهرة تتميز بالمرونة والنسبية وتشير إلى قدرة الأنظمة على توظيف مؤسسات الدولة لإجراء ما يلزم من تغيُّرات لتلبية متطلبات وتوقعات المواطنين واحتواء ما قد ينشأ من صراعات دون استخدام العنف السياسي إلا في أضيق نطاق، وحكومة السودان الحالية عطَّلت مؤسسات الدولة وجعلتها لا تلبي متطلبات و تطلعات المواطنين، وأصبح العنف بجميع أشكاله يسيطر على كثير من جوانب الحياة، ولذلك دائماً ما يأتي السودان – اليوم – في مقدمة دول العالم الفاسدة ولا ينطبق عليه أي شرط من شروط الدولة الراشدة.
الإنسان يرتفع ويرتقي من خلال نوع الدولة التي تبنيها الحكومة، فدولة العدل والقانون لها إجراءات غير دولة الفوضى والظلم، وهذه الحكومة بدأت مشوارها بإجراءات بناء دولة الفوضى والظلم ولم يتم إيقافها ولذلك وصلنا إلى هذا الحال.
فبعد كل هذه السنين موظف الدولة في أعلى درجة وظيفية لا يتجاوز راتبه 300 دولار وعند مدخل الخدمة 50 دولار في الشهر ودون ذلك العمال، نصف سكان السودان لم ينلوا فرصة التعليم، وثلث أطفاله يعانون من سوء التغذية، ولا تصل الرعاية الصحية الأولية إلى الغالبية العظمى من الشعب، ونصف سكانه نازحين ومشردين ومهاجرين، وعشرات الآلاف يموتون لأسباب مختلفة يومياً، مليارات المبالغ يتم جبايتها من المواطن بمسميات مختلفة وتختفي دون فائدة، كل يوم يمر يرتفع فيه خط الفقر وينزل تحته الملايين، مليارات تصرف على الحركات والمبادرات والأحزاب والحوار دون نتيجة وثلث السودان ذهب مبتوراً وأجزاء أخرى تغلي وغيره الكثير، كل هذا يحدث لأن الدولة بنيت على الظلم.
المحيِّر فعلاً هو البرود واللا مبالاة التي تتعامل بها الحكومة مع عدم الاستقرار في البلد ومع الشعب نفسه وقدرتها الفائقة على لبس الأقنعة وتحملها اللا محدود للعمل في مناخ مليء بالصراعات والانتقادات والفوضى، والمحيِّر أكثر هو عدم رغبتها في تصحيح ما هي عليه ورفضها لكل الأفكار والرؤى التي تغيِّر هذا الواقع المزري من أجل بناء دولة العدالة والرشاد.
خلاصة القول لقد تمكنت دولة الظلم من السودان وأصبح مصير الشعب بأكمله مرهون لها، القائمون على أمرها لا يرون أن هناك دولة ظلم هم من قام ببنائها، وهنا تأتي المشكلة، فحينما تكون الحكومة باتفاق الجميع فاسدة وهي وحدها من ترى في نفسها الصلاح، فهذا يعني أننا أمام حكومة مريضة معذورة أن لم تذهب فيمكنها القضاء على السودان وهي لا تشعر بغير السعادة والرضا.