الهندي عز الدين

عندما يتحدث الفريق “عمر محمد الطيب” !


{قلادة شرف عظيمة وثقة غالية تلك التي طوقني بها سعادة الفريق أول الدكتور “عمر محمد الطيب” النائب الأول للرئيس الأسبق “جعفر محمد نميري”، أشهر وأقدر رئيس جهاز مخابرات على مر عهود الحكومات الوطنية في السودان، وهو (اللواء) عندما كان اللواءات في بلادنا (أربعة) فقط، وهو (الفريق) عندما كان الفرقاء اثنين أو ثلاثة، وهو الدكتور الدارس والمدرس للعلوم الأمنية والإستراتيجية في أرفع الأكاديميات الأمنية في الولايات المتحدة الأمريكية !!
{طوقني سيادة الفريق بجميل لن أنساه أبداً، أن اختارني وخص (المجهر) دون غيرها، بالحديث الخاص الذي ظل يسعى له كل صحفي سوداني وأجنبي، على مدى ثلاثين عاماً من صمت كاتم الأسرار ومخزن الخفايا المغلق بالضبة والمفتاح.
{أنا أعلم أن أشهر فضائية عربية سعت للرجل ليتحدث فرفض، وأعرف أننا – غالب رؤساء التحرير ومن يعرفون قيمة الرجل ومقداره بين الصحفيين، تمنوا أن يستنطقوا “عمر محمد الطيب” لكنه استعصم بصمته النبيل عقوداً ثلاثة !
{شخصياً اجتهدت كثيراً ولفترة طويلة في تحقيق هذا الكسب الصحفي بمحاورة رجل المخابرات الأهم في أفريقيا من منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، صديق الرئيس “بوش الأب” ومستشار رئيس مخابرات المملكة العربية السعودية لعشر سنوات، الرجل الذي كان حاكماً عندما اندلعت الانتفاضة في العام 1985م، وهو يسميها (انقلاباً) وليس (انتفاضة)، لكن محاولاتي وآخرين باءت بالفشل، فقد اعتذر الرجل أكثر من مرة .
{لكنه اختار هذه المرة طائعاً مختاراً أن يتحدث الآن، فهاتفني ظهر أمس الأول وهو يقول: (الظاهر يا ولدي .. صمتنا دا شجع ناس كتار على الكضب)!!
{عند التاسعة من مساء نفس اليوم كنت أمام باب منزله، وهو ذات المنزل الذي سكنه وهو نائب للرئيس ورئيس لجهاز الأمن: (أنا يا ولدي ما سكنت في بيوت الحكومة، دا بيتي مما كنت نائباً أول) !!
{ورغم أننا جيل الانتفاضة (مارس – أبريل 1985م)، خرجنا نهتف ضد (مايو) في تلك الأيام: (يا بوليس ماهيتك كم .. رطل السكر بقى بكم؟)، ولم نكن ندري أن رطل السكر ورطل أي حاجة سيتضاعف بأرقام فلكية إلى يومنا هذا، حتى لم يعد لذلك الهتاف معنى!
{رغم أننا من ذلك الجيل الذي ثار على (مايو) من حواري أم درمان القديمة، إلا أنني تملكني احترام كبير وتقدير ظل يتنامى خلال السنوات الأخيرة لقادة ذلك النظام، بعد أن كبرنا واستوعبنا الكثير، فقد كانوا وللحق نظيفي الأيادي، صادقين وزاهدين، يكفي أن الرئيس “نميري” مات في بيت أبيه وأمه بأحد أزقة “ودنوباوي” بشارع “ود البصير” !
{غالبتني دمعة والفريق “عمر” يقول لي: (هم بحملوني مسؤولية سقوط حكم مايو .. كانوا عاوزني أكتل ليهم الناس .. أنا ما بعملها .. أنا في حياتي ما عذبت زول .. والله العظيم – ويرددها – ما حصل عذبنا زول في الأمن، والكانوا بعلموا كدا قبلي نقلتهم لشركات ومؤسسات بره الأمن).
{مهم أن نسمع من هذا الجيل العظيم مباشرة، لا أن نتلقى المعلومات من أفواه العوام ومن روايات من كانوا بعيدين عن مركز المعلومات.
{شكراً سعادتك .. على هذا الاختصاص العزيز.