منى ابوزيد

في المال والعيال ..!


«الأخلاق رفاهية خاصة، ومكلفة» .. هنري آدامز ..!
(1)
معلوم أن فسادالأخلاق هو كعب أخيل المعاملات المالية، وأن صرامة الضوابط لن تفلح وحدها في تقنين ظاهرة الاحتيال، لأن أكثر الاتفاقات المالية إحكاماً وضماناً لاتفلح عادة في حماية الحقوق بنسبة مائة في المائة، في ظل تراجع هامش الثقة، وتقلصمساحات التعويل على الأخلاق .. وعليه فإن أي حديث عن تفاقم ظاهرة الغش والاحتيال وتصاعد وتيرة المغامرة في معاملاتنا المالية ينبغي أن لا يكون بمعزل عن تفكيك البعد الأخلاقي للظاهرة، ومن ثم التوصل إلى سن الدواء القانوني الناجع، بناءاً على التشخيص النفسي والاجتماعي .. النزاهة في تفكيك متغيرات المجتمع تقتضي أن نقول بارتباطها المباشر بسلوكيات الحكم ..أما كيف ولماذا؟! .. فلأن السياسة هي فن قيادة الجماعة وأسلوب تدبير شؤونها بما يفترض فيه الخير والمنفعة .. ولأن الأخلاق هي مجموعة القيم والمثل الموجهة للسلوك البشري بما يعتقد فيه الخير أيضاً ..لأجل ذلك تبقى مثالب القيادة السياسية هي الباعث الرئيس على تبدل غايات وأخلاقيات المجتمعات وتفاقم أخطائها السلوكية..!
(2)
ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني زار الإمارات – ذات مرة – على متن طيران الإتحاد (الناقل الوطني)، ورفض الجلوس على مقاعد الدرجة الأولى، لأن بلاده تمر بأزمة اقتصادية، وهو كمسؤول سياسي لا بد أن يكون قدوة للبقية الشعب في الحرص على تخفيض النفقات .. وهذه بالطبع واقعة خصبة لعقد المقارنات إياها .. ولكن الملاحظة الأكثر حضوراً – على الأقل في هذا المقام – هي ثقة رئيس وزراء دولة عظمى بشركة طيران حديثة – من دولة نامية – لم يتجاوز عمرها بضع سنوات ..تلك الواقعة – أو تلك الثقة، وبعيداً عن الحسابات الاقتصادية – لا تقل أهمية ولا تأثيراً عن الفتوحات الوطنية التي تحققها المنتخبات الرياضية بإحراز الميداليات الذهبية في المحافل الدولية .. كلها أيقونات نجاح، وامتياز، وتحضُّر، تُشهرها الدول في وجه كل من يتساءل عن مسوغات جدارتها باحترام العالم .. ضعف الإمكانات المادية هو المشجب الذي نعلق عليه إخفاق السياسات، وعجز الموازنات، ونوم الضمائر، وفساد الذمم، بينما ضعف الإمكانات الوطنية هو السبب .. ولا فرق يذكر بين مأساة الناقل الوطني ومصيبة المنتخب الوطني، كلاهما يحملان ذات الشعار، وكلاهما يرفعان، أو ينكسان، ذات الرأس .. والعلم .. والوطن ..!
(3)
علاج العقم ما يزال من أغلى العمليات في العالم، ليس بسبب ارتفاع رسوم الأطباء فحسب، بل لأسباب تتعلق بأسعار الدواء، كما وأن علاج العقم بوسيلة أطفال الأنابيب ما يزال باهظاً لأسباب تقنية، الأمر الذي يجعل الإقبال عليه محصوراً في نطاق الأثرياء، ويجعل منه خراباً مستعجلاً لبيوت الطبقة الوسطى، والأدهى من ذلك أنه مايزال محالاً بالنسبة الفقراء .. ليت الأطباء والعلماء المختصين في أمراض العقم وتأخر الإنجاب في بلادنا يستصحبون في أبحاثهم ومحاورهم وتوصياتهم حينما يأتمرون (أهمية التكامل بين العلاج الطبي والإرشاد النفسي لمرضى العقم)، ليتهم يتناولون أهمية (تدريب وتوعية المختصين بعلاج حالات تأخر الإنجاب على مهارات التواصل مع المرضى) .. هنالك حديث عن تجارب في الهند على عمليات أطفال أنابيب بتكلفة منخفضة .. ملايين الفقراء بانتظار ثورة علمية مماثلة تقلب موازين التكلفة والأسعار .. وحتى ذلك الحين لا غنى لهؤلاء وأولئك عن كثرة الدعاء والاستغفار ..!