عثمان ميرغني

خُذوا الحكمة من أفواه الشعب السوداني..


في العام الماضي سألنا قُراء صحيفة “التيار” عن رأيهم في قانون النظام العام.. طبعاً سُؤالنا كان على خلفية توقيف بعض الرياضيين في جبل أولياء بتهمة الزي الفاضح..
وعادةً في الصفحة الثامنة كل يوم نضع سؤالاً يجيب عليه القراء، منه نحاول استطلاع رأي الشارع العام في القضايا العامة.. ولأنّ القراء يكتبون رأيهم بكل جرأة وحياد دون أدنى مؤثرات على ضميرهم فنحصل من خلاصة إجاباتهم على قراءة صادقة وصحيحة لبعض القضايا المُهمّة أو الخلافيّة..
لكن عندما تَلقّينا ردود القراء على سُؤالنا عن رأيهم في قانون النظام العام كانت دَهشتنا كبيرة للغاية.. دهشة لا أجد لها تفسيراً حتى اللحظة.. فقط كانت إجابات القراء ورسائلهم مُفاجأة لنا إلى حد كبير.. وربما مُفاجأة لكل من اطّلع عليها عندما نشرناها..
تقريباً أكثر من 95% من إجابات القراء كانت مُؤيّدة لقانون النظام العام.. من هذه النسبة الكبيرة غالبية كاسحة تُؤيِّد (بشدة!) القانون..!!
صحيحٌ إنّ الغالبية أشاروا إلى أنّ المُمارسة والتطبيق فيها إجحافٌ وجور وتعدٍ على القانون والنظام العام معاً.. لكن مع ذلك تفاجأت شخصيّاً بهذا التأييد الكاسح لقانون محفوف بكثير من النقد والاعتراض القوي من منظمات المجتمع المدني وربما غالبية الحُقوقيين..
بصراحة ليس لديّ تفسيرٌ لتأييد القُراء لهذا القانون.. ربما لأنّهم ربطوا بينه وقضايا الانفلات في بعض المُمارسات التي ينتقدها المجتمع وتؤذي مشاعره.. أو ربما لأنّ المخاوف على الأخلاق باتت تُشَكِّل الهاجس الأول للمجتمع.. وبالتحديد للأسرة السودانية.. أو ربما أسباب أخرى الله أعلم بها..
في كل الأحوال الاستطلاع الذي أجريناه يصلح للانتباه جيداً إلى ضرورة تلمس رؤية الشارع العام في كل القضايا والشؤون العامة.. فالشعب السوداني مُستنيرٌ وذَكيٌّ ومُهتمٌ بالشأن العام.. ورأيه مُفيدٌ جداً لكل من يلتمسه.. بل من الحكمة الاستضاءة به قبل أيِّ قرار يمس الشعب السوداني..
راجعوا جيداً كل يوم صفحة (8) في “التيار”.. لاحظوا إجابات القُراء عن بعض القضايا.. وأقسم لكم بالله نحن لا نتدخّل في تعليقات القراء إطلاقاً إلاّ ما يمس القانون مُباشرةً ويدخل الجميع تحت طائلة المحاسبة القانونية.. رأي القُراء يكشف إلى أيِّ مدى هذا الشعب مُفيدٌ جيداً لصانع أي قرار اذا التمس منه المشورة.. لكن بكل أسف قليلاً ما تنظر مُؤسّسات صنع القرار في اتجاهات تفكير الشارع العام.. وكثيراً ما تحيد عن الصواب لأنّها فشلت في استنطاق ذكاء شعب مُستنير مُترف بالحكمة والمشورة الصادقة..
نُفكِّر الآن في تأسيس مركز لاستطلاع الرأي يقدم قراءة دقيقة لاتجاهات تفكير الشعب السوداني.. سياسهم ذلك كثيراً في تفكيك عسر الحياة السودانية .. خَاصّةً السياسية..
خُذوا الحكمة من أفواه الشعب السوداني..