اسحق احمد فضل الله

بعيداً عن السياسة.. كتابات لاجئ سياسي


>…
> وركام الجراح في أرض المعركة السياسية يجعنا نطلب اللجوء عند القصة
> ..
“التذكرة”
> كنت أقضي اليوم الأخير من عملي.. بيع تذاكر القطار
> عمري كله ظللت أتساءل عن الشخص الذي أبيع له التذكرة الأخيرة في حياتي.. ما هو.. كيف هو
> الآن.. مع مغيب الشمس في محطة القطار الخلوية.. الإجابة تأتي
> في محطة القطار الخلوية كلهم كان يعرف أنني أقضي اليوم الأخير من عملي في المهنة.. وأبيع التذكرة الأخيرة
> صاحب المقهى.. وصبي المقهى الوحيد وأمنة العجوز بائعة الدوم كلهم كان اليوم يرتدي ملابس نظيفة.. ويعاملني بلطف.. وكل احد منغمس في عمله لكن آذانه ترقب هدير قطار السادسة.. آخر قطار في اليوم.. وفي حياتي
> دخل رجل إلى المقهى.. ولم يكن يشعر أن كل أحد كان يحبس أنفاسه.. لا مجال للظن أنه صاحب التذكرة الأخيرة.. الذي انتظره عمري كله
> جلس.. وصبي المقهى جاء بالقهوة.. وصاحب المقهى من مكانه حياه بخفوت.. > كلنا ينتظر أن يرشف الرجل آخر رشفة من قهوتة ثم يتقدم إلى نافذتي.. نافذة التذاكر ويشتري آخر تذكرة
> لحظات ولحظات وقاع الفنجال يجف والرجل في مكانه
> أخيراً حملت دفتر التذاكر واقتربت منه.. وجلست والدفتر الأصفر أمامي.. الصبي جاء بالقهوة لي.. وللرجل
> صاحب المقهى جاء وجلس والصبي جاء وجلس
> الرجل دهش قليلاً حين عرف أنه صاحب التذكرة الأخيرة
> الحديث كان مثل دخان ناعم
> حين سمعنا هدير القطار.. كل واحد منا أخذ حديثة يتسارع وكأن كل واحد منا كان يريد ألا يترك ثقباً في الحديث يدخل منه هدير القطار
> القطار توقف.. كل واحد منا تعمد أن يحتفظ بعنق متصلب لا يلتفت. حتى لا يرى القطار كل منا كان مثل صبي صغير تتشبث أصابعه بشيء لا يريد أن يفلته.. وعيوننا ملتصقه بوجه الرجل.. حتى لا ينهض
> الرجل عيونه متشبثة بحديد المنضدة أمامه والفنجال الفارغ يصعد إلى فمه ويهبط. يصعد ويهبط.
****
> أردنا ألا نكتب اليوم في السياسة
> فوجدنا أننا نكتب عن الحياة كلها
> معذرة.. التساؤل عن معنى الصراع كله وإلى أين ينتهي بأن يجعلنا نكتب هذا > وغداً نقرأ للقاهرة آخر ما تخطط للتخريب في السودان.