رأي ومقالات

بنزيمة وبواتينغ… ووصف مسؤول مصري الأفارقة بالعبيد


صدرت في الأيام القليلة الماضية مجموعة من الأحداث والتصريحات ذات الطبيعة العنصرية وفي قارتين مختلفتين، أوروبا وأفريقيا، أحدها يخصّ مسؤولاً مصريّاً اتهمته مسؤولة كينية بوصف الأفارقة بأنهم «كلاب وعبيد»، وأخرى تتعلق باللاعب الفرنسي من أصل جزائري كريم بنزيمة، وثالثة تخص اللاعب الألماني من أب غانيّ جيروم بواتينغ.
المسؤولة الكينية التي فضحت الحادثة الأولى هي إيفون خامتي منسقة للجنة الخبراء الأفريقية لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة وقد أكدت في مذكرتها حول الحادثة أن المسؤول، وهو مساعد لوزير البيئة المصري، استخدم الوصف المهين ضد أبناء بلدان جنوب الصحراء الأفريقية في أثناء مناقشة قرار حول قطاع غزة لم يتم تبنيه لعدم توفّر النصاب.
الحادثة الثانية جاءت من نائب رئيس حزب «البديل من أجل ألمانيا» في تصريح لصحيفة قال فيه إن الألمان لا يريدون نجم كرة القدم جيروم بواتينغ المولود في ألمانيا من أب غاني جاراً لهم، وكان الحزب نفسه قد اعترض قبل فترة قصيرة على ظهور صور لاعبين ألمان من أصول أجنبية على غلاف شوكولاتة «كيندر» التي عادة ما تضع صورة طفل أشقر وأزرق العينين.
أما الحادثة الثالثة فجاءت أيضاً في تصريح لكريم بنزيمة مهاجم ريال مدريد الذي قال إنه أخرج من تشكيلة فرنسا مستضيفة بطولة أوروبا لعام 2016 بسبب اصوله الجزائرية، وقد دعم الادعاء لاعب فرنسا السابق إيريك كانتونا الذي قال أيضا أن مدرب فرنسا استبعد بنزيمة وحاتم بن عرفة بسبب أصولهما الأجنبية.
ردود الفعل التي أثارتها الحوادث المذكورة كانت سريعة لكنّ أكثرها سخفاً على الإطلاق كان رد فعل الدبلوماسية المصرية ممثلة بوزير الخارجية سامح شكري الذي قال إن خالد فهمي، وزير البيئة، لم يحضر الاجتماع المذكور (رغم أن مذكرة الاتهام لم تقل إنه حضر!)، وأن مستشاري الوزارة د. حسين أباظة ود. مصطفى فودة لم يتلفّظا بأي ألفاظ مسيئة. في التصريح نفسه قال شكري إنه شكّل لجنة تحقيق في الواقعة وهو أمر غريب بعد أن قضى سلفاً في الأمر حين أكد أن المسؤولين المصريين الذين كانوا في الاجتماع بريئون من التهمة. غير أن أظرف ما في بيان الوزارة المصرية هو تذكيره الأفارقة بالتضحيات التي قدمتها مصر لمصالح القارة وهو ادعاء يثير السخرية لأنه يناسب موضوع إنشاء لطالب ابتدائي وليس وزيراً للخارجية في بلد بأهمية مصر.
مقارنة ردود الفعل الألمانية والمصرية تكشف مفارقة كبيرة بين الغطرسة الحكومية المصرية التي تزيد طين الواقعة بلّة وتفاقم حجم الاهانة، وبين المراجعة الألمانية للذات حيث سارع سياسيون كبار فيها، على رأسهم المستشارة أنغيلا ميركل، إلى استنكار التصريح العنصريّ وانبرى رياضيون أجانب كمسعود أوزيل وسامي خضيرة للدفاع عن بواتينغ، ووصل الأمر برئيسة حزب «البديل» نفسها للاعتذار للاعب وكذلك فعل الرئيس الآخر للحزب يورغ موتن الذي قال إنه سيكون سعيدا بمجاورة بواتينغ، وانتهى الحادث بأن يعتذر من صرّح التصريح بالقول إنه لم يكن يعبّر عن رأيه الشخصي وبأنه ليس عنصريّا.
قضيّة بنزيمة حمّالة أوجه فرغم استبعاده هو وحاتم بن عرفة من التشكيلة فإن المدرب الفرنسي استدعى عادل رامي وهو من أصول مغربية، كما أن بنزيمة يخضع للتحقيق في مؤامرة ابتزاز مزعومة ولكنّ هذا الادعاء الذي لم يثبت قانونيّا عليه، لا يبرّر أن يتدخل رئيس الوزراء الفرنسيّ مانويل فالس شخصياً بطلب عدم مشاركته في المنتخب الوطني الفرنسي، وهو ما يعطي بعض المصداقية لقول بنزيمة إن المدرب الفرنسي «استسلم للجانب العنصري في فرنسا».
أحد الجوانب التي تلفت النظر من مقارنة هذه الحوادث، وهي أنه في الوقت الذي يعاني فيه العرب والمسلمون (بمن فيهم الحكام والمسؤولون منهم) من العنصريّة الغربية نجد مسؤولين عرباً يسيئون لجيرانهم ولأنفسهم بارتكاب المواقف العنصرية ضد جيرانهم الأفارقة. وربما يكون العزاء الممكن لإخوتنا في الإنسانية من كل جنس ولون وعقيدة ومذهب هي إعلامهم بأن كثيراً من حكامنا ومسؤولينا يكرهون شعوبهم ويعاملونها بأسوأ مما كان يعامل العبيد والكلاب!

القدس