تحقيقات وتقارير

الموظفون.. قيلولة نهارية تعيق مصالح الناس.. جرسة رمضانية


سباق محموم بين المواطنين نحو المراكز والمؤسسات والوزارات بدأ منذ مطلع الأسبوع وانتهى اليوم، الجميع كان يسابق لغرض إنجاز مهمة ما، منهم من كان يلهث خلف شهادة ميلاد وآخر وراء رقم وطني وثالث يأمل إكمال ملف سفر ومغادرة لأرض النيلين ورابع يطمع في الحصول على إمضاء مسؤول حالت ظروفه العائلية الخاصة جداً عن الحضور لمقر عمله لعدة أيام، فظل قلم الإمضاء الأخضر جاسماً على الدرج.. هؤلاء جميعا يركضون بين المؤسسات تحت هجير الشمس اللافح خوفا من تعطيل قد يطول لأيام إذا تقرر صيام شهر رمضان غداً (الاثنين).
قطعاً مُحق من يتهم بعض الموظفين بالتسيب والغياب في رمضان عن أماكن عملهم رغم حاجة المواطن الملحة لتقديم الخدمات بإخلافها، وأدناه نعرض آراءً مختلفة تنبذ مثل هذا المسلك.

تعليم منقوص
ظل وخلال الأعوام القليلة الماضية تبدو مظاهر رمضان واضحة للعيان داخل حرم الجامعات التي درجت البعض منها على إغلاق أبوابها بالكامل، ومنح طلابها في جميع الكليات إجازة لن يعود منها أحد، إلا إذا انقضى شهر الصيام، وتزامن إجازات عدد من الجامعات مع رمضان لم يأت عبطا، إنما كان نتيجة لخطة وضعتها لغرض ضبط تقويمها الدراسي خلال العام لتتوافق نهايته مع حلول شهر رمضان حتى يتسني لها منح إجازة لكل العاملين والطلاب على حدٍّ سواء، ورغم براءة مثل تلك الخطة التي وضعتها الجامعات المعنية، لكن هناك من يرى أنها تحمل في طياتها عدد من الأخطاء تفوق أضعاف ما تحمله من الصواب، ومن هؤلاء الذين يعتبون عليها الطالب عبدالله جبر الله (طلب عدم تحديد اسم جامعته)، فهو يعتقد أن فكرة إغلاق الجامعات في رمضان فكرة غير تربوية وغير تعليمية بامتياز. ويشرح فكرته بقوله “الجامعة مؤسسة تعليمية مهمتها إعداد الطالب إعداداً يجعله فاعلاً في المجتمع وفي سوق العمل، ولن تكون للمرء فاعلية إذا كان لا يقوى على العمل في جميع الظروف والأوقات”. وتساءل: “إذا كان الطالب لا يقوى على الحضور إلى الجامعة لمتابعة محاضراته بهدوء وهو صائم، كيف له أن يقوى على إدارة عمل بعد عامين أو ثلاثة بعد التخرج؟!”.

طمع وجشع
بالتأكيد للجامعات أعذار غير مرئية للبعض تدفعها لمنح طلابها إجازات عامة يعودون منها بنهاية شهر رمضان منها، بحسب (يسرى الطاهر) خريجة جامعية، أن الجامعات أصبحت تمنح الطلاب إجازات في رمضان حتى تتجنب توفير إفطار وتقديم بعض الخدمات التي يحتاجها الطلاب القادمون من مناطق بعيدة ويقيمون في الداخليات، ولهذا تمنحهم إجازة ليعودوا إلى أهلهم دون أن تضع في الحسبان أن هذا الأمر له تأثيرات على مستوى تأهيل الطالب لمجابهة الحياة العملية بعد التخرج، وأيضاً له تأثير على وضع الطالب الاقتصادي لأن الكثير من الطلاب لا يعانون في توفير قيمة تذكرة العودة والقدوم مجددا للخرطوم لأن التذكرة لبعض الولايات، كما هو معلوم تبلغ قيمتها ألفي جنيه، بجانب مصاريف طريق أخرى. وكان الأنفع والأجدى أن تواصل الجامعات الدراسة دون انقطاع، وتعمل على إيجاد حل للخدمات التي تقدمها للطلاب في رمضان بدون جشع وطمع.

نوم وثرثرة
جاءت إشارة الأمين الموظف بإحدى الوزارات الخدمية (طلب الاكتفاء باسمه الأول فقط وعدم التعرض لمكان عمله) متوافقة مع رأي الطالب جبر الله، فالأمين يرى أن المؤسسات الحكومية، وبعض الخاصة تكاد تخلو من الموظفين، والعدد القليل الذي يحضر لمباشرة عمله لا يقوم بأي نشاط يذكر، وأكثر الموظفين يكتفون بتدوين أسمائهم في دفتر الحضور فقط، وبعدها يلجأون لأساليب محددة لإهدار الوقت، منهم من يبدأ في تصفح المواقع أو الدردشة أو الثرثرة فيما بينهم، وهناك فئة يتجهون من فورهم نحو المسجد داخل المؤسسة ليكملون نومهم، هذا إذا لم يغط أحدهم في نوم عميق داخل مكتبه بدون أدنى حرج. ويضيف الأمين: “رغم أن القوانين واللوائح في المؤسسات لا تقر مثل هذا التسيُّب، لكن السلوك العام وضعف ثقافة العمل لدى الموظفين هي التي تطغى على اللوائح في شهر رمضان، فيبدو الأمر عادياً، وغير مرفوض حتى من قمة الهرم في المؤسسة المعنية، مما ينعكس سلباً على الأداء بصورة واضحة”.

علة مجتمعية
ليست هناك حاجة للإشارة لعنوان والجهة التي كشفت في دراسة أجرتها العام الماضي، أن زمن عمل الموظف في الوطن العربي لا يتجاوز (18) دقيقة فقط، وعدم الخوض في تفاصيل الدراسة المشار لها لا يقلل من صدق نتائجها، لأن التقاعس في العمل وضعف الإنتاج في كافة الضروب معلوم بالضرورة للجميع خاصة في السودان، وخلو الطرقات وتوفر المواصلات منذ صباح غد (الاثنين) رغم أنها كانت أندر من لبن الطير، قبل رمضان يثبت أن العقل المجتمعي يتقبل التقصير في العمل بحجة الصيام، وبحسب الأمين، أن بعض المواطنين يأتون من أماكن بعيدة لإنجاز مهام بعينها، لكن مجرد إخطارهم أن الموظف الذي يجب أن ينجز لهم مهامهم تغيب اليوم، يتقبلون الأمر بصدر رحب، ويردد بعضهم مقولات تدُل على تفهمهم لصعوبة الحركة في رمضان.ويلمح الأمين إلى أن الإشارة تسطع بوضوح حينها، ويمكن للموظف التمادي في غيابه أو نومه.

الخرطوم – محمد عبد الباقي
صحيفة اليوم التالي