حوارات ولقاءات

المستوردون من الهند والبرازيل يُقلقهم دخول اللحوم السودانية السوق الجزائرية


أكد السفير السوداني والمفوّض فوق العادة عصام عوض متولي أن التصريحات الأخيرة لوزير الفلاحة الجزائري سيد أحمد فروخي فيما يتعلق باستيراد اللحوم السودانية في رمضان لا يزال مشروعا لم يتجسد على أرض الواقع. وكشف عن آخر التطوّرات في ملف المعتقلين السودانيين في الجزائر وحمّل مسؤولية تأخر مشاريع الاستثمار للإدارة.. وتفاصيل أخرى عن العلاقة مع جنوب السودان والمؤامرة على الشمال في هذا الحوار.

لا تزال نتائج الاستفتاء في إقليم دارفور بالموافقة على نظام الولايات مثار جدل في الداخل من خلال المعارضة وأيضا في الخارج من خلال تقارير أمريكية؟

الاستفتاء هو استحقاق دستوري تمت الموافقة عليه من طرف الجامعة العربية. نتيجة 97 من المئة أكدت رغبة الشعب الدارفوري بأن يبقى دارفور بنظام الولايات.

ومن لم يصوّتوا كانوا أقل من 3 من المئة، وهذا يكذّب كل الادعاءات التي رُوّجت عن عدم استقرار إقليم دارفور.

ادعاءاتٌ كذَّبتها ظروف الاستفتاء بالصوت والصورة خاصة عندما جال رئيس الجمهورية في هذه الولايات الخمس وكان يتحدث في الهواء الطلق.

وغطت الحدث مختلفُ القنوات العربية والغربية وأشرف على العملية مراقبون دوليون أجمعوا على نزاهة الاستفتاء وتوفر كل الظروف الملائمة .

ما مدى صحة ما تروّجه تقارير أمريكية عن نزع السلاح ومراقبته؟

فُجرت قضية دارفور من العدم، لأنه في الأصل لم تكن هناك مشكلة حقيقية وإنما مجرد مشكلة محلية كان يجب أن تحل داخل البيت السوداني لأنها تتعلق بالرُّعاة والسُّقاة.

ولكنهم يعرفون إمكانات السودان وقيمة موقعه الاستراتيجي لذلك لن يدعوه يستقر، ونتوقع أن يخلقوا لنا مشكلة أخرى بعد دارفور ونحن على استعداد. وليس السودان البلد المستهدف الوحيد بل كل العالم العربي، ونحن نقف اليوم على المخطط الصهيوني الأمريكي الامبريالي الذي فتّت الأمة العربية والإسلامية بثورات “الربيع العربي” المفبركة و”داعش” المصطنعة. وحتى الدور الإيراني ومن ورائه أمريكا لزعزعة دول الخليج.

هل نجحت عملية جمع الأسلحة؟

قرار رئيس الجمهورية صدر مباشرة بعد الاستفتاء، ومنح فرصة للأهالي لتسليم السلاح خلال فترة معينة أي في أجل واضح وبمقابل، ولكن بعد انتهاء المهلة يؤخذ منه بالقوة ومن دون تعويض.

وبالنسبة للتقارير الأمريكية، قبل التقسيم قدموا لنا إغراءات مادية واقتصادية، وبعد العملية مباشرة فجّروا لنا قضية دارفور حتى أصبحت دارفور أكثر شهرة من الخرطوم.

ولكن أصوات المعارضة تقاطعت مع الطرح الأمريكي وتبنت تخوفاته من امتلاك المواطن السوداني للسلاح؟

المعارضة في السودان لا تستطيع أن تفعل شيئا. عندما قامت ثورة الإنقاذ سنة 1989 قالت المعارضة إن عمر هذه الثورة هو خمسة أيام، الآن الثورة جاوزت 27 سنة.

المعارضة ظاهرة صحِّية أكيد، ولكن في النهاية صوت الشعب وصوت الأغلبية هو الفيصل.

قانونيا ودستوريا كل الدول شاسعة المساحة لا يمكن أن تحكم السودان “19 ولاية”، الجزائر مثلا مقسّمة إداريا إلى 48 ولاية إضافة إلى ولايات منتدبة.

أما دارفور فتاريخها معروف للعالم الإسلامي، فقد كانت تكسو الكعبة، وهي مئة من المئة مسلمة، وهذا ما يُقلق الغرب فعلا.

كما لا يخفى عنكم أن السودان لديه موارد ضخمة في الزراعة؛ 200 مليون فدان صالحة للزراعة يُستغل منها 25 من المئة فقط، لدينا ثروة مائية جوفية، إضافة إلى الأنهار الفرعية ونهر النيل الذي يشقُّ السودان من شماله إلى جنوبه.

الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على السودان -رغم ايجابية التقارير التي تقدمها المنظمات- مستمرّ لأن السودان دولة سنية ودولة تملك ثروات وهو ما يخيف الغرب. وما يقلقهم هو صعوبة بل استحالة اختراق الشعب السوداني وزرع الفتنة في صفوفه لطبيعته التسامحية.. الحصار مفروض ولكن السودان بإمكانه أن يلبس ويؤكل شعبه.

بالحديث عن تقسيم السودان.. هل كان الجنوب عائقا حقيقيا أمام التنمية؟ وهل كان الشمال سيظل صامدا رغم الحصار الاقتصادي الأمريكي؟

مشكل الجنوب قديم وتوارثته الأجيال بعد أن صنعه وكرّسه المستعمِر عندما عزل جنوب السودان ومنع الجنوبيين من تسمية الأسماء العربية أو ارتداء الزي العربي. كما منعهم من التوجه إلى الشمال ونشر في المنطقة التبشير المسيحي.

نحن أبدا لم نشتكِ من جنوب السودان، ولكن الإهمال الذي فرض على الجنوب كان له آثار سلبية جدا: نسبة الأمية في الجنوب عالية جدا ولا توجد مرافق صحية ولا جامعات.

وعموما الرجل الجنوبي لا يميل إلى التعليم ولا يميل إلى العمل، فأصبح عبئا على الجنوب ليس على الشمال.

الاستعمار كان عاملا رئيسا في ذلك، ونحن حرصنا على الوحدة ولكن الضغوط القوية التي جاءت لتفتيت العالم والوعود الكاذبة التي أعطيت للشمال والجنوب لم يُنفَّذ منها شيء.

والجنوب الآن يعيش أزمة غلاء فاحش، والنائب الأول في صراع مع الرئيس، لا بنيات تحتية، ولا زراعة، وحتى أموال البترول، ويشاع أنها ذهبت إلى جيوب أشخاص ولم يستفد منها المواطن الجنوبي.

على ضوء هذه المعطيات، هل يمكن أن يطرح سيناريو العودة إلى الشمال؟

سعينا إلى تطوير الجنوب وبنينا جامعة “جوا” في الخرطوم لتعليم أبنائه، إضافة إلى المدارس التي كانت تعمل -إلى جانب المدارس المسيحية- على نشر الإسلام. الآن هناك أصواتٌ كثيرة تطالب بالعودة إلى الشمال. وفي رأيي الشخصي بما أنهم خرجوا باستفتاء في الجنوب فقط، فالعودة تكون باستفتاء لشمال السودان.

وعلى العموم نتمنَّى الاستقرار لأننا أكثر من يتضرَّر من الوضع وفي مقدمة النتائج اللاجئين.

كانت مواقف السودان من الحراك الذي عرفته وتعرفه بعض الدول العربية متقاربا جدا مع الموقف الجزائري.. كيف هو مستوى التنسيق الدبلوماسي بين البلدين؟

التنسيق الدبلوماسي قوي جدا بين الجزائر والخرطوم من خلال لجنة التشاور السياسي، إضافة إلى لجنة وزارية مشتركة يرأسها من الجانبين وزيرَا الخارجية.

تقريبا التنسيق مستمرّ من خلال وفود تبادل الزيارة. وعليه فالتقارب في المواقف لم يكن محض صدفة.

نحن نرتكز على سياسة خارجية أصيلة وثابتة، وهي عدم التدخل في الشأن الداخلي، كنا ضدّ أي تدخل أجنبي في ليبيا وأيضا في سوريا، نفس الشيء طلبنا معالجة الأمور بطرق سلمية وإعطاء فرصة للمصالحة الوطنية. وسفارة السودان لا تزال مفتوحة في دمشق وتمّ تعيين سفير جديد تسلم مهامه بعد انتهاء مدة السفير السابق.

ولكن قوة العلاقات السياسية والدبلوماسية لم تترجم بعد على الصعيد الاقتصادي ولا تزال المشاريع مؤجلة.. لماذا؟

في البداية نؤكد أن العلاقات السياسية ممتازة بين البلدين، إلا أن العلاقات الاقتصادية بعيدة جدا. ونتمنى أن نرتقي بالعلاقات الاقتصادية تدريجيا خاصة في ظل وجود رغبة من قيادة البلدين لخلق هذا الجو الاقتصادي الملائم.

وما هي الأسباب الحقيقية؟

عندما وصل الرئيس السوداني عمر البشير إلى الجزائر سنة 2010 جمعه لقاء بالوزير الأول عبد المالك سلال ووزير الصناعة، وجرت محادثات بحضور 300 رجل أعمال في موضوع الاستثمار في السودان، ووعد الرئيس عمر البشير بتسهيل كافة الإجراءات، وبدوره طالب الوزير الأول بأن تكون الشراكة نموذجية، وفي نفس اللقاء كان هناك اتفاقٌ حول إقامة طريق بحري ليساعد على نقل المنتجات بين البلدين، وخط جوي لتسهيل الحركة التجارية.

وهل حرَّك الخط البحري حركة التبادل التجاري بين الجزائر والسودان؟

الخط البحري تحرَّك قليلا، أما مشروع الخط الجوي فلم يراوح مكانه إلى اليوم، السبب المباشر هو كثرة التصديقات من وزارة الفلاحة ووزارة التجارة والجهات المختصة، أي أن الإجراءات البيروقراطية في الجزائر وراء تأخر المشروع.

في شهر جانفي مع وفد جزائري ضم رئيس غرفة التجارة والصناعة وعدداً من رؤساء الغرف من الولايات المتاخمة للعاصمة وحوالي 21 رجل أعمال، مكثنا لفترة طويلة في الخرطوم وتم جمع رجال الأعمال مع نظرائهم في نفس التخصص من رجال الأعمال السودانيين، وتم التوقيع على مجلس أعمال مشترك بين البلدين، ولكن حتى الآن لم تدخل الأفكار والمشاريع حيز التنفيذ بسبب تأخر التصديقات ونحن نتابع، أيضا تم إرسال وفد فني من 7 مختصين للوقوف على إمكانات النفط والغاز في السودان، لأنه وللأسف يُحرق في الهواء الطلق. الجزائر عندها خبرة عالية ووعدوا بتقديم دراسة لمعالجة هذا المشكل، كما وعد السودان بتمليكهم منطقة كاملة لاستكشاف البترول، ونحن في انتظار قرار اللجنة التي عاينت المنطقة.

هل يزعج تقدّم العلاقات التجارية بين السودان والجزائر أو إقامة خط جوي أطرافا معينة؟

الغيرة التجارية موجودة دائما وفي كل دول العالم، فمثلا في سوق اللحوم بالجزائر، إذا دخلت جهة من غير الجهة التي تستورد من الهند والبرازيل لن تسمح لها بالاستيراد وستختلق أعذارا وتخترع إشاعات لتطعن في جودة اللحوم السودانية.

الجزائر تأخرت مقارنة بالسعودية والإمارات وقطر ومصر والصين وماليزيا والهند، واللوم على الجزائر أكيد لأن السودان أبوابه مفتوحة ويأمل دخول الجزائر قريبا لأنها أولى من دول بعيدة.

هل أعقب تصريحات وزير الفلاحة الأخيرة حول استيراد اللحوم السودانية في شهر رمضان أي جديد ميدانيا؟

نرحب بالخطوة ونؤكد أن اللحوم السودانية من أفضل اللحوم الموجودة في المنطقة، خاصة وأن الخروف السوداني يشبه الخروف الجزائري لأنه يرعى طبيعياً ويشرب ماءً نقيا بدون إضافات كيميائية، ولدينا 17 مصلا يُنتَج في السودان يعالج الأمراض التي يمكن أن تصيب المنتج السوداني، شركة “بيتيلو” مثلا تنتج كل أنواع اللحوم الطازجة والمجمدة، ولديها شركة نقل جوي بطائرات مجهزة بكل وسائل التبريد تصدر لكل الدول التي تستورد من السودان.

المسافة بالطائرة حوالي ست ساعات، وأبدت هذه الشركة استعدادها في التعامل مع المستوردين الجزائريين ووزير الثروة الحيوانية قدّم عرضا مميزا للجزائر يتمثل في إقامة مسلخ متكامل بالخرطوم فيه بياطرة يذبحون ويسلخون ويشرفون على العملية بأنفسهم، وأجدد على لسان الوزير هذا العرض، إضافة إلى عرض آخر تمّ تقديمه في إطار الأمن الغذائي العربي واستفادت دولٌ كثيرة استأجرت مساحاتٍ كبيرة للاستغلال.. ولماذا لا تستفيد الجزائر من العرض أيضا؟.

هل ستكون اللحوم السودانية على موائد الجزائريين في شهر الصيام؟

من الممكن تسهيل العملية والإجراءات بانتقال الوفد إلى السودان.. وبالنسبة للأسعار لا يمكن معرفة السعر في السوق بدقة لأنه يختلف باختلاف مكان الشراء، ولكن الأكيد أنه سعر معقول جدا.. فالمواطن السوداني يقتني الكبش بـ100 دولار في حال ارتفعت الأسعار.

دخلت الكثير من المنتجات السودانية السوق الجزائرية عن طريق مستثمرين خواص.. هل سجلت صعوبات؟

شارك ما يقارب 100 رجل أعمال بعد زيارة الرئيس، تحدثوا عن صعوبات تواجههم مع الإدارة، إضافة إلى البنك المركزي، حيث لا يمكنهم تحويل أموال إلى المصدر السوداني، نتمنى تسهيل الإجراءات خاصة وأن التغطية السياسية موجودة.

ماهي أهم المنتجات السودانية الموجودة الآن في الجزائر؟

المنتجات الزراعية متوفرة ويُعتبر السمسم السوداني “الجلجلان” أجود الأنواع ونحن رقم واحد في إنتاجه، إضافة إلى “الصمغ العربي” الذي اكتشف مؤخرا من شركات أدوية أوروبية، بل حتى أمريكا التي فرضت علينا حصارا اقتصاديا، استثنت الصمغ العربي لأنها تحتاجه في علاج الكلى والسكر والمسالك البولية والكثير من الأمراض، الآن هذا الصمغ موجود في الجزائر ولكن على مستوى ضيق، إضافة إلى الفواكه وخاصة “المانغو” فالسودان معروفة بإنتاج أفضل أنواعه ونقيم معرضا سنويا لهذه الفاكهة، وأيضا فيه منتجات جزائرية مهمة مثل “كوندور” التي شاركت في معرض الخرطوم ولقيت رواجا كبيرا والتي دخلت السوق السودانية، وأيضا هناك فواكه في الجزائر تستوردها السودان من سوريا مثل المشمش والتفاح والعنب والبرقوق إضافة إلى مواد البناء والمنتجات التحويلية ممتازة جدا.

وأشير إلى أن السودان عنده أفضل قانون استثمار في المنطقة لأن القانون يساوي بين المستثمِر السوداني والمستثمر الأجنبي في كل الحقوق والامتيازات، فمثلا الإمارات تستأجر أراضي تزرع علفا وتصدره كاملا إلى الخارج، والسودان من جهته يستفيد في جانب اليد العاملة، ومن حق المستثمِر أيضا أن يُخرج أمواله إلى الخارج ويتم إعفاء المستثمِر من الضرائب من 5 إلى 10 سنوات في بداية النشاط.

هل من جهود لإنعاش الجانب السياحي أيضا؟

يواجهنا المشكل نفسه وهو عدم وجود خط جوي مباشر، ليبقى خيار التنقل عن طريق القاهرة أي الوصول بعد 9 ساعات، ولكن نؤكد أن السودان دولة سياحية مهمّة بها فنادق خمس نجوم بأسعار مغرية ومتاحف تراثية و200 هرم منذ 7 آلاف عام، والسياح الأجانب يأتون بكثرة.

نوجّه دعوة إلى المواطن الجزائري ونعِده بتوفير برامج خاصة وفنادق خاصة، وهي دعوة خاصة للشعب الجزائري.

كما أؤكد أن التأشيرة تُمنح لأي جزائري يستوفي الشروط في ظرف ساعتين.

هل من جديدٍ في ملف المعتقلين السودانيين في الجزائر؟

نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لدولة الجزائر حكومة وشعبا لتفهمهم، وشكر خاص للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لقد تم إصدار العفوعن 247 معتقل ورافقتهم بنفسي في الطائرة وتم تسليمهم لذويهم، وعمّت الفرحة الأسر السودانية بعودة أبنائهم، بقي 42 سودانياً هم في انتظار صدور عفو رئاسي جديد لأن الأول لم يشملهم.

اسيا شلابي
حاورته: آسيا شلابي

صحافية، ورئيسة القسم الثقافي بجريدة الشروق الجزائرية