هيثم كابو

أحفظ ملامحك بالوصف


أثار ما كتبناه أمس عبر هذه المساحة من وقفات أولية على دفتر مسلسلات شهر رمضان المعظم عاصفة من التعليقات التي يصعب حصرها بمجموعة (قضايا الفنون) على (الواتساب) التي تضم نخبة من أهل الفن والإعلام تباينت آراؤهم واختلفت وجهات نظرهم؛ ولكن لا بد من التعليق على بعض النقاط التي تمت الإشارة إليها لأن فيها من الملاحظات ما هو جدير بالوقوف عنده؛ خاصة تلك التي اعتبرت اهتمامنا بالدراما المصرية والكتابة عنها (استلاباً ثقافياً)؛ وتساءلت عن سر عدم كتابتنا عن الدراما السودانية التي تحتاج وفق رؤية البعض لدعمها بالكتابة الدائمة عنها وتنبيه الدولة لضرورة المساهمة في الإنتاج الدرامي حتى تخرج من نفق أزماتها المتلاحقة.
* الحديث المستهلك عن (الاستلاب الثقافي) لا قيمة له ولم يعد يحتاج لإهدار كثير من المداد للجدل حوله؛ فقناعتي الراسخة أن الفن لا وطن له والإبداع لا يعترف بحواجز وجغرافيا، كما أنه من المفارقات المدهشة أن هناك من يصنفون المهتمين بالدراما المصرية والغناء العربي (مستلبين) مع أن نفس أولئك النفر المشغولين بالتصنيف يحشرون عشاق روايات نجيب محفوظ ومحبي أشعار نزار قباني وأمل دنقل في زمرة المثقفين.
* طبيعي ألا يتحدث الناس عن الدراما السودانية لأنها ليست موجودة على الإطلاق سوى بعض المساهمات المتواضعة التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة..!
* الدراما (الحقيقية) متوافرة عندنا بكثافة في أماكن العمل والطرقات، لكن المؤسف حقاً أنه لا وجود لها في المسارح والشاشات!!
* ما يحدث في موسم الحج والعمرة.. ما نراه في زمن الفيضانات.. ملفات الفساد التي تملأ الصحف.. المخدرات التي تدخل من كل منفذ.. الكهرباء التي يأتي إمدادها لينقطع والمياه التي تشتاق لها (المواسير) حد الصراخ و(الشخير).. التغيرات المجتمعية الخطيرة التي حدثت للناس.. وغيرها مئات الحكاوي والمفارقات والقصص والدروس التي تمثل أبلغ السيناريوهات وأعمق النصوص..!
* مخطئ من يظن أن عمر الدراما السودانية قصير، ومصيب ذاك الذي يعلم جيداً أن عمر درامتنا يزيد يوماً تلو الآخر إلا أن نموها قد توقف منذ سنين طويلة.!!
* نصحنا من قبل كل من يود الاستمتاع بدراما غنية ومختلفة بمطالعة صحف الصباح أو دخول (الواتس آب) ليجد من الواقع ما يفوق الخيال، ومن الوقائع ما لا يخطر على بال..!!
* دراما بمعناها الحقيقي تسكن مفاصل الأحداث في بلادي، فما نقف عليه من حيثيات في قضايا السياسة والاجتماع والاقتصاد والجريمة لا تجده في النصوص الأدبية القديمة التي كانت تؤدى تمثيلاً في المسرح أو السينما منذ معرفة الناس لمصطلح (الدراما) المأخوذ من لغة الإغريق، لتتبخر كل تلك المفارقات دون أن يكون للفن كلمة عابرة أو تعليق سطحي ناهيك عن غوص في الأغوار وتقديم طرح عميق..!!
* الأحداث المليئة بالمفارقات لا حد لها، والنصوص الساحرة و(المغبونة) والساخرة (على قفا من يشيل)، ورغم تلك التفاصيل (الدرامية) لا وجود لـ(التراجيديا)؛ وبالطبع هناك غياب تام لـ(الكوميديا)..!!
* الكوميديا الحقيقية هي مطالبة بعض الدراميين للدولة بدعم الإنتاج الدرامي والمسلسلات في وقت رفعت فيه الدولة الدعم عن المحروقات..!
* الدراما المصرية التى نهتم بها واقعية ولا يعلى عليها برغم الأزمات التي عاشتها.. وإن تركنا الدراما السورية (المجني على بلدها الآن) جانباً وتحدثنا عن الدراما الخليجية فالسنوات العشر الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن المستقبل سيكون حكراً لها، فالدراما (الكويتية) صاحبة التاريخ والإرث خطت خطوات جادة؛ وتقدمت للأمام بسرعة صاروخية، وها هي الدراما الإماراتية تكشر عن أنيابها وتفلح في تحقيق أرقام مشاهدة عالية، بل وحتى الدراما السعودية التي لم تكن تخرج من إطار أعمال (طاش ما طاش) الكوميدية بات لها وجود وتأثير ودور فاعل، بينما نحن بكل ما نملك من (طولة لسان) لا نزال خارج إطار الوجود العربي وفشلنا للأسف الشديد فشلاً ذريعاً في أن يكون لنا موطئ قدم، ولم نحصد سوى الخيبة والندم..!!
* كانت الطامة الكبرى في أنه حتى الأعمال المشتركة كمسلسل (الغول) الذي كان يمثل (عملية تهجين) للدراما السودانية بعناصر سورية لم يحقق نجاحاً داخلياً ولم يعرض خارجياً وفشلت فكرة تحسين صورة ونسل الدراما المحلية..!!
* جاء (عثمان دقنة) رغم ضخامة الإنتاج، عادياً، وتم بثه لنا نحن فقط، ولم يسمع بأميرنا أحد في (الشرق)..!!
* لم تتكرر تجربة (رحلة عيون) السينمائية لأننا – بحمد الله – في (الفن السابع) لم تتوقف أعمالنا فقط، بل حتى تلقينا كمستهلكين لا منتجين لم يعد له موقع من الإعراب، فدور السينما تم تشميعها تماماً وكل ما تبقى لنا هو الوصف، فإن سألك أحدهم عن محل تجاري أجبت بأنه شمال (سينما الوطنية)، ولو طلب منك أحد المارة في شرق الخرطوم معرفة موقع إحدى الصحف قلت ببراءة: (غرب كلوزيوم)..!!
نفس أخير
* عفواً: إنكم أنتم الأزمة!