جعفر عباس

التباهي والفشخرة بالعودة الى الوثنية والمسيحية


على أيامنا كان الناس يحتفلون بختان الأولاد، وأعمارهم ما بين 6 إلى 9 سنوات، على نحو بسيط: فتة وشاي، ولكن في زماننا هذا تذهب إلى شخص ما لتبارك له قدوم ولد جديد فيقول لك: تشرفنا يوم الجمعة سماية الولد، ويوم الاثنين حفل ختانه، ويكون ذلك الطفل قد غادر مستشفى الولادة مختونا، فما لزوم الدوشة والوليمة؟ على أيامنا كان للوليمة البسيطة معنى ومغزى لأن عمر المختون كان يسمح له باستيعاب ما يجري حوله، ويتألم ويصرخ ولابد من تعويضه و”تغطية” صراخه بالزغاريد، وكان التعويض بتلقي المختون هدايا نقدية وعينية (عندنا في بلاد النوبة قد تكون هدية المختون نخلة أو معزة إلخ)، وطفل عمره ساعات أو أيام معدودة لا يدرك سر الزيطة والزمبليطة الدائرة حوله بمناسبة ختانه، وليس له في الأمر ناقة أو تيس
وحفلات الزواج في ما مضى كانت تستمر لقرابة أسبوع أو أكثر، ولم تكن تكلف العريس شططا لأن الناس كانت “تتشايل”: كتب الكتاب يحضره أقرب الأقربين، وليلة حنة العريس كانت مهمة لا يفرط فيها رجل مقدم على الزواج، فهناك “الكشف” وهو إسهام كل من يحضر حفل الزفاف بمبلغ في حدود إمكاناته، أو بما يزيد قليلا على ما سبق أن دفعه له العريس في (من أسهموا في كشف زواجي “أكلوا هوا” لأنني طفشت من السودان بعد الزواج ولم أرد لهم الجميل بنظام الصاع صاعين)، وتستمر الحفلات أياما عديدة لأن الأقارب والأصدقاء كانوا يقدمون للعريس الخراف والحبوب من ذرة وقمح
وحفلات الزواج على أيامنا هذه تستغرق يومين أو ثلاثة، يتم خلالها ضغط عدة فعاليات: الحنة لكل طرف على حدة والجرتق والقيدومة والصبحية وفطور العريس الذي يجعله الإنفاق عاجزا عن ذبح الكديس، والليلة الكبيرة، ويسبق كل ذلك قولة الخير وفتح الخشم تمهيدا لتسليك الجيوب البنطلونية أو الجلاليبوية.. والغريب في الأمر ان “السيرة” اختفت… ربما لأنها ذات طابع بلدي تذكر محبي البوبار بما يفعله مشجعو المريخ عندما يتغلب على أبو كرشولا يونايتد والهلال على بدين رينجرز
طقوس الزواج عندنا تؤدي إلى خراب البيوت، ليس بسبب ارتفاع المهور، فالمهر أقل خطوات الزواج كلفة، لأنه مبلغ معلوم متفق عليه مسبقا وله مصارف واستخدامات متعارف عليها، ولكن وباسم إحياء عاداتنا صارت مراسيم الزواج “سيرك” يلعب فيه العريس دور الجمهور الذي يدفع قيمة التذاكر ثم يتفرج على ما يجري، بل إن العريس عندنا يكون أكثر الناس جوعا أثناء الولائم التي يلهط فيها الناس “شقا عمره”، فكلما امتدت يده بلقمة إلى فمه جاءه شخص ما: أبشر يا عريس ويفتح ذلك شهية الآخرين فينهالون عليه “أبشر” حتى ليكاد يقول لهم: وانتو مش حتنتشروا؟
وإذا رفض العريس أو العروس بعض الطقوس قوبل بالمعلبات اللفظية: دي عاداتنا من كبارنا و من خلى عادته قلَّت سعادته!! هل إذا كان من عادتي أن اختلس المال العام، أو شهادة الزور في المحاكم لقاء عمولة، أو معتادا على تدخين ستين سيجارة في اليوم وتخليت عن تلك العادات سأكون تعيسا؟ وبالمناسبة فإن الجرتق وبالمعايير الإسلامية طقس وثني يقصد به تحصين العرسان من العين بالجعارين (الخنفسانة) وأنواع وأشكال معينة من المنحوتات الخزفية، وهو متوارث عن الحضارة النوبية وأصل الكلمة “جرتي” وتضاف القاف في أواخر الأسماء في اللغة النوبية للتعريف والتوكيد، وجنيه الذهب الذي قد تستخدمه العروس أو المرأة النفساء أيضا منقول عن الثقافة النوبية في الحقبة المسيحية، لأن ذلك الجنيه يحمل في أحد وجهيه صورة الملك الإنجليزي جورج السادس، بينما الوجه الآخر بأكمله صليب ضخم، والاعتقاد السائد هو ان ذلك الجنيه يحصن ضد “المشاهرة والكلبش والعين”
وفي السنوات الأخيرة صارت الموضة أن يتم عقد القران في مسجد، وكان ذلك معمولا به في بعض العائلات منذ عقود، ولكن المراسم كانت تنتهي بمغادرة المدعوين المسجد بعد تناول تمرات وشربة ماء، والآن من المسجد على الصالة او الصيوان ليفتك المئات ببضع خرفان.. ولكن أكثر ما يثير سخطي في مراسيم الزواج السودانية هو فطور العريس.. تنشفوا ريقه وجيبه ثم تستكردونه بوجبة فطور، ذلك الفطور مقصود منه التباهي من قبل أهل العروس الذين يرسلون إلى بيت العريس طعاما يكفي جيش كتشنر، وفي غالب الأحوال لا يذوق العريس منه فسفوسة لأنه يكون نائما لأن النوم هو أقصى ما يتمناه عريس وعروس خلال طقوس الزواج التي تهد الحيل والحال والمال