تحقيقات وتقارير

شيطان الدولار ..!!


يكتسي وجهه بالوجوم والحيرة كلما دنا نحو الأسواق للتبضع، فيأخذه الاستغراق في الجنون الذي تمارسه الأسعار وفوضاها الضاربة بأطنباها والتي وصلت حدا ارتفعت معه أسعار دخول دورات المياه العامة في الأسواق والمواقف.
يقولون إن كل الذي نحن فيه بسبب الدولار.. كيف ذلك؟ سؤال يحلق في فضاء اللامعقول دون إجابة تشفي غليل عم التاج وهو يرسل اللعانات للزمان والناس والمكان وغلاء الأسعار وجحيم السوق ويمضي بهمهماته التي خلفت جدلا ونقاشا مستفيضا وسط الشارع العام والمهتمين وخبراء الاقتصاد والمال والأعمال..

المشهد أعلاه يحدث بصفة يومية في كل التجمعات والملمات ويحتدم النقاس ويثار حول الانفلات الكبير في الأسعار والارتفاع الجنوني لسعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني خاصة الدولار الذي وصل إلى خمسة عشر جنيها ويعيش منذ فترة طويله في رحلة بين طيات السحاب المرتفعه ويترنح ما بين هبوط طفيف وارتفاع مستعجل، لتزيد معه معاناة المواطنين وانفلات السوق وتأثير ذلك الارتفاع على كافة تفاصيل الحياة في البلاد التي أصبحت تعتمد بشكل كلي على الاستيراد.
اختلال الميزان التجاري وغياب الصادرات واستيراد الكماليات واللجوء إلى غمر السوق ببضائع ذات جودة متدنية وغيرها من الأسباب ساهمت في الارتفاع المتواصل لسعر الدولار حيث يعتمد الكثيرون على السوق الأسود والموازي لشراء حاجتهم من العمله بغرض السفر أو تحويل الأموال للخارج سواء كانت بغرض التجارة أو العلاج أو السياحة.

الخبير الاقتصادي عبد الرحيم حمدي طالب بتحرير سعر الصرف بشكل كلي حتى تنتهي الأزمة، أو كما قال في الخبر المنشور بصحف الأمس اقتباسا من حديثه في برنامج تلفزيوني بقناة الخضراء حيث خيّر وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي عبد الرحيم حمدي الحكومة باتخاذ قرارات اقتصادية جريئة عبر تحرير سعر الصرف أو مواجهة ما أسماها بثورة الجياع، ودعا البرلمان للتحلي بالإرادة وسن قانون يجبر الحكومة على تحرير سعر الصرف، وأبدى حمدي استغرابه من تعليق الحكومة لفشل سياساتها الاقتصادية على الحصار الأمريكي، واتهم البنك المركزي بضعف الإرادة والتخوف من اتخاذ قرارات شجاعة كشراء الذهب بأسعار مرتفعة.

(1)
ليس خافيا أن ارتفاع الدولار أسهم بشكل واضح في التأثير على ضروريات الحياة من مأكل ومشرب ومسكن وملبس، حيث تأثرت كلها بموجة الغلاء والارتفاع الناتج عن الدولار المتصاعد مما أضر بكثير من المستوردين في الأسواق الداخلية، وطالب مختصون بوضع معالجات عاجلة للحد من ارتفاع سعر الدولار في السوق الموزاي نظرا للتداعيات السالبة على مجمل الاوضاع الاقتصادية بالبلاد، والتي تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم والزيادة من التضخم الركودي، وإيجاد معالجات عاجلة والحد من ارتفاع الدولار في السوق الموازي، ومن المعلوم أن كل المحاولات الرسمية والحكومية فشلت في الحد من ارتفاع الدولار رغما عن حزم الإجراءات لكبح جماح أسعار صرف الدولار ومحاولات إحداث التوازن المطلوب بسبب كثافة حركة الطلب على العملة التي تعاني الندرة مصرفيا ولكنها متوفرة في السوق السوداء، خبراء واقتصاديون كثر عرضوا تحليلات وروشتات للدولة بغية تحقيق الاستقرار في سعر الصرف دون جدوى ومازال العرض مستمرا.

(2)
حسنا هناك من يعتقد أن السعر الرسمي بعد التعديلات التي أجريت عليه مؤخرا وارتفع بموجبها في البنوك والمصارف ليس حقيقيا ولا يمكن الاعتماد عليه مقارنة بتدني قيمة الجنيه السوداني مما يجعل الحكومة غير قادرة على السيطرة على السوق السوداء، وثمة قناعة راسخة لدى العديد من الاقتصاديين والخبراء بأنه لا تراجع متوقع في سعر الصرف للعملات الأجنبية في الوقت الراهن لجهة تحكم السوق السوداء في السلع والواردات وينصحون بالمزيد من الشفافية والدعم القطاعات الإنتاجية لإزالة الفجوة الاقتصادية، وبالنسبة للخبير حسن ساتي وفقا لإفادة سابقة له مبذولة في الصحف والمواقع فإن تغطية العجز في احتياطي العملات الأجنبية في البلاد من الصعوبة بمكان حاليا نظرا للديون الخارجية للحكومة ويتجه معها الناس إلى الحصول على الدولار من السوق الموازي ويزداد الطلب وتزيد الفجوة، مشيرا إلى أن الأمر يحتاج إلى سياسات من الدولة وجذب الاستثمارات لرفع مستوى الاقتصاد السوداني والمحافظة على سعر الجنيه من التدهور.

الخرطوم – مهند عبادي
صحيفة اليوم التالي