حوارات ولقاءات

البروفيسور عبد الله أحمد عبد الله .. بعيداً عن السياسة.. قريباً من الفن والرياضة


ساعة سمر ومؤانسة جمعتنا بالثروة القومية البروفيسور عبد الله أحمد عبد الله في دردشة رمضانية بمنزله العامر بكافوري، تناولنا فيها ما لذا وطاب من مائدته العلمية والفكرية والمهنية من خلال تبوئه للعديد من المناصب، حيث كان الرجل القامة أول حاكم للإقليم الشمالي إبان العهد المايوي، ووزيرا ً للزراعة ومديراً لجامعة الخرطوم، أول سفير للسودان بالولايات المتحدة في عهد الإنقاذ، ورئيساً للمفوضية القومية للانتخابات عام 2010 وهو الآن محاضراً جامعياً وعضواً ومستشاراً في كثير من المجالس والمؤسسات العلمية والوزارية.. وبروفيسور عبد الله يمثل بناءً شامخاً لصرح علمي ومعمار إداري وفكري فخيم، تلك كانت بصماته في مواقع عمله في تواضع العلماء.. وكان حاضراً في ذكرياته كل من الرئيس البشير والنميري ولم يخلُ الحديث عن محاور الفن والرياضة بمصاحبة الكابلي في أجمل المدن (سان فرانسسكو) مع القراصة والحلو مر معاً نطالع حديثه.< المحطات العلمية والمهنية وما خرجت به من حصيلة؟
-أولاً عملت بروفيسور بجامعة الخرطوم كلية الزراعة ثم مديراً لجامعة الخرطوم 1975-1977 ، ثم وزيراً للزراعة والأغذية والموارد الطبيعية وبعدها حاكماً للإقيم الشمالي، وأنا أول حاكم للإقليم الشمالي في إطار الحكم الإقليمي سنة 1980 ثم سفيراً للسودان ثم رئاسة مجالس الجامعة رئيس مجلس إدارة جامعة الخرطوم، ثم رئيساً لمجلس إدارة وادي النيل، ثم أعالي النيل، ثم رئيساً لهيئة البحوث الزراعية، ثم رئيساً للمفوضية القومية للانتخابات 2010 وأخيراً حليمة عادت لقديمه حيث رجعت للجامعة.
< الماجستير والدكتورة؟
– عملت الماجستير والدكتوراة في جامعة كلفورنيا وحصلت عليهما في علوم الزراعة.
< محاضراً بالجامعة؟
– ثم عدت للخرطوم محاضراً للزراعة وقمت مع زميلي بروفيسور سعد عبادي بتأسيس قسم البساتين في الكلية، ثم تدرجت في الرتب الأكاديمية إلى أن وصلت رتبة البروفيسور في الكلية، وبعدها كما ذكرت سابقاً عملت مديراً لجامعة الخرطوم.. أحببت مهنة التدريس والبحث العلمي وسعدت بإدارة الجامعة التي وفرت لي الأساس الطيب والإلمام بحسن الإدارة في المراحل السابقة، وذلك أن إدارة الجامعة تكسب الإنسان التعامل مع الآخر والعمل بطريق اللجان والمشاورة وعلمتني أيضاً العمل بالجوانب الرسمية إضافة إلى استمالة من تعمل معهم، وإشراكهم في العمل الأكاديمي والإداري.
< اعتماد نهج جديد؟
– وكنت أعتقد أنني يمكنني إدارة الوزارة على نفس النمط الذي كنت أدير به جامعة الخرطوم عبر المؤسسات واللجان والتشاور.. غير أنني لم أجد هذا النهج، فقمت بجمع كبار العاملين في الوزارة واشهدتهم بأنني أرغب في العمل بنهج مختلف، وتمكين العاملين من المشاركة الفعلية في التحفيز لاتخاذ القرار بواسطة الوزير، وعهدة لوكيل أول الوزارة في جميع مهامه الإدارية والمالية، وكنا نجتمع اسبوعياً للتفاكر والوقوف على حال الوزارة خلال اسبوع، فانتظم العمل بالنهج الذي أردت، وتطور نمو الوزارة في مناحيها المختلفة، وكانت من أكبر الوزارات.. حيث جمعت مجالات النبات والحيوان والموارد الطبيعية والغابات والمراعي وهيئة البحوث الزراعية والمشاريع الكبرى بالجزيرة والرهد وحلفا الجديدة السوكي، وعهدت باشرافي المباشر على البحوث الزراعية والثروة الحيوانية والتخطيط والعمل مع المؤسسات الخارجية ذات الصلة.
< اختياري للإقليم الشمالي؟
– أنا في وزارة الزراعة التي قضيت بها ثلاث سنوات ونصف، وهي أطول مدة أمضاها وزير في موقعه، وكنت عند قبولي من الوزارة طلبت من نميري أن أعمل وزيراً للزراعة لمدة أربع سنوات فقط، إن لم يقم بفصلي وفعلاً أمضيت ثلاث سنوات ونصف، وبعدها دعاني نميري إلى مكتبه بقاعة الصداقة، وتحدث معي عن الحكم الإقليمي الذي صدر قانون عام 1980 وكان الرئيس يفكر في تعيين حكام الأقاليم المكلفين فأخبرني مباشرة بأنه قد وقع اختياره كحاكم مكلف للإقليم الشمالي، وكان ذلك أول تعيين للحكام، وسألت الرئيس نميري لماذا اختياري حاكماً للإقليم فقال لي: أنا أقدر أنك الشخص المقبول في هذا الإقليم وبخلفيتك وزيراً للزراعة وبرفيسور فيها، وأن الاقليم نريد له أن يكون (بستان السودان) وأنت جدير بذلك، وطلبت من نميري إمهالي للتشاور ثم إفادته، وبادرني بالسؤال من تريد أن تشاور فأجبته أنني أريد مشاورة زوجتي وشقيقي عبد الرحمن أحمد عبد الله الأصغر مني سناً، وذلك لأنني أشعر بأنهما لا يميلان إلى الانغماس أكثر في السياسة، وأن البقاء في الجامعة أفضل فوافقني الرئيس على الإمهال، ولكنني حينما قمت بالانصراف بادرني بالقول (أنا ما عندي غيرك حاكم للإقليم الشمالي)، فرجعت وجلسة ووافقت استجابة لاصرار نميري وحسن ثقته فيّ.
< حاكم بدون حكومة؟
– وأثناء فترة الحاكم المكلف وبدون حكومة لمدة 18 شهراً قمت بالدراسات المطلوبة بتأسيس الحكم في المرحلة القادمة وأعددت الكثير من الدراسات في الجوانب الاقتصاية والسياسية، وتعرفت عن قرب بموارد الاقليم ومكوناته البشرية والبنى التحتية ووسائل التعليم والصحة والمياه، فكانت هذه الدراسات تمثل أساساً متيناً للمرحلة القادمة وهي مرحلة تعيين الحاكم الذي يقوم بتأليف حكومته، فأخذت في حكومتي رجالاً مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة وحسن الأخلاق، وراعيت تمثيل جهات الإقليم في الوزارة فكانت حكومة منسجمة ومتعاونة وسلكنا سبيل استنهاض همم سكان الاقليم وأشركناهم عبر مؤسسات الحكم الاقليمي في الحكم، فارتاح أهل الاقليم بأداء الحكومة وناصروها.
< كفاءات مميزة؟
– وكنت سعيد جداً بالفريق الوزاري والسياسي والإداري من الذين عملوا معي فكان منهم الراحل محمد الحسن عوض الكريم نائباً للحاكم والأستاذ المتميز عبد اللطيف عبد الرحمن للتعليم والصحة، وهو من العناصر المتفوقة من بخت الرضا، والراحل عبد الوهاب عثمان وزير المالية وهو مشهود له بالكفاءة، والإداري المتميز عبد الله علي جاد الله بالمرافق العامة، والدكتور الطيب أبو سن وزيراً لشؤون الأقليم والسيد جعفر الحسين للزراعة، وقد كان وكيلاً أول للزراعة الاتحادية حينما كنت وزيراً لها، هذا الفريق في الحكومة مع الإخوة الذين تولوا العمل السياسي في إطار الاتحاد الاشتراكي في مقدمتهم الأخ الصديق الأستاذ علي فقير عبادي، والسيد السيسي والسيد حسن، وكان أداء هولاء الشباب متميزاً وكانوا خير عون لي في الجوانب السياسة والاتصالات والترويج لمبادئ الثورة، إضافة إلى الأخوة في المجلس التشريعي للولاية بقيادة طيفور محمد شريف، وصفوة من أعضاء المجلس هذه المؤسسات حكومة وسياسة وتشريع، ظلت تعمل بانسجام وتعاون حتى نهاية الحكم الاقليمي وقيام انتفاضة أبريل، وكانت هذه الحكومات على قدر عالٍ من النقاء والشفافية والتعامل الحسن مع أهل الاقليم، ودليلي على ذلك حينما قامت الانتفاضة وتم اعتقال حكومات الاقاليم والحكام.
< أول حكومة يطلق سراحها؟
– كانت أول حكومة يطلق سراحها حكومة الاقليم الشمالي دون مساءلة، وكانت حكومة الانتفاضة قد حثت الناس في الاقاليم لتقديم الشكاوي ضد حكوماتهم.. غير أنه بالنسبة لحكومة الاقليم الشمالي لم يتقدم أي مواطن ضد الحكومة بشكوى، وتم الإفراج كما ذكرت سابقاً دون مساءلة وكان شعارنا في الحكم يقول (إن الصدق منجي) والأمانة في الأداء مما أكسب الحكومة الثقة الحسنة.
< أول سفير بالولايات المتحدة؟
– تم تعييني في الإنقاذ بعد تكوين الحكومة حضر الي مهندس إبراهيم وأخطرني أن الرئيس عمر البشير يطلب منك القبول أن تكون سفيراً للسودان بالولايات المتحدة، وطلبت إمهالي وتشاورت مع صديق الراحل عبد الرحمن عبد الله الذي شجعني على القبول بهذه المهمة القومية، وقبلت وطلبت من الرئيس أن أعمل لمدة أربع سنوات فقط فوافق السيد الرئيس، وكنت سفيراً بدرجة وزير مما أشعرني بالمسؤولية الكبيرة في هذا الموقع من 1990 وحتى 1993م بواشنطن.. بعدها تم ترشيحي سفيراً للسودان بالسعودية فاعتذرت عن ذلك وأشرت إلى اشتراطي الأول، وخاطبت السيد الرئيس مباشرة في هذا، وطلبت الإعفاء فوافق مشكوراً بخطاب رقيق وذكر في الخطاب (إن مكاني مفتوح في أي موقع تريد في أي مكان في السودان)، وكانت رغبتي العودة لجامعة الخرطوم، وقد فعلت وعملت جاهداً أن لا يكون العمل الدبلوماسي للسفير قاصراً مع الخارجية الأمريكية بل بالتعامل مع المراكز البحثية في الجوانب الاستراتيجية ومجلس النواب والشيوخ، وساعدني في ذلك خلفيتي الأكاديمية وقدراتي في اللغة الانجليزية، والعمل مع وزارة الخارجية فقط (روشتة خطأ) وهذا ما قمت بتصحيحه، وكان هذا النهج معيناً لي في إدارة العلاقات السودانية الأمريكية، وأنا أول سفير للإنقاذ في أمريكا وكانت العلاقات معقدة وصعبة ومتأرجحة وكان آنذاك الخطاب السياسي في السودان يسيء كثيراً للعلاقات ويصعب من مهمة السفير، وكانت مخاطبتي لوزارة الخارجية الأمريكية تختلف عن الخطاب السياسي المغالي في العداء لأمريكا.
< من تربال إلى سفير؟
– وحينما تم اختياري سفيراً تساءلت مع نفسي كيف يكون هذا التربال والزراعي والأكاديمي دبلوماسياً؟ ولكن عند التجربة أدركت أن الدبلوماسية هي في الواقع (حسن التقدير وحسن التعامل والحكمة في التناول) فاهتديت بهذا فكانت هذه محصلتي الدبلوماسية على ما أعتقد
< مفوضية الانتخابات؟
– أما فترة عملي بالمفوضية حينما تقرر إجراء الانتخابات نتيجة الاتفاقية الشاملة مع مفاوضات السلام، وبعد أن تم إقرار قانون الانتخابات فكر الجانبان في الحكومة ثم التشاور بين فريق الحكومة لتكوين لجنة الانتخابات، فاختار الجانب الجنوبي السيد أبل ألير رئيساً للمفوضية، والبروفيسور عبد الله أحمد عبد الله رئيساً مناوباً للمفوضية، وبعد الانفصال أصبحت الرئيس للمفوضية القومية إلى أن اكتملت وأجريت الانتخابات في بيئة صعبة، حيث قاطعها في الأيام الأخيرة حزب الأمة القومي والشيوعيون غير أن الانتخابات انتهت بمستوى رفيع ومقبول لجهات المراقبة للانتخابات.
< رمضان في حياتك؟
– أنا أعتدت على الصيام منذ أن كنت في المدرسة الأولية وجميع مراحل تعليمي، وحتى عندما كنت أدرس في الولايات المتحدة وأذكر حينما دخلت لامتحان الدكتوراة، كنت صائماً فبادرني رئيس لجنة الامتحان في أول سؤال لماذا أنت صائم؟ فرحت بالسؤال.. لقدرتي على الإجابة عليه، وبدأت أجاوب فاسترسلت في الاجابة فأوقفني رئيس اللجنة بقوله: أعلم أنك تعلم أكثر في الصيام ثم عرج إلى الأسئلة الأكاديمية، وظللت أداوم على الصيام إلى أن أصبت بالسكري والكلى فأوقفت الصيام ومارست الفدية حتى يومنا هذا.
< الرياضة؟
– أنا مارست كرة القدم والسلة والسباحة في وادي سيدنا الثانوية وكنت بطلاً في السباحة.
< الغناء والطرب؟
– مطربي المفضل الكابلي وغناء الشايقية بالطمبور وأحمد المصطفى أما الجيل الجديد ما عندي ليهو حاجة!!.
< كان هناك 7 وزراء أيام نميري الرباطاب هل هذا صحيح؟
– نعم ومنهم عبد الرحمن عبد الله وزير الصناعة آنذاك، وعبد الله أحمد عبد الله وزيراً للزراعة، ويحيى عبد المجيد، ومحمد الشاذلي وزير دولة بالزراعة، وأحمد عبد الكريم بدري وزيراً للمواصلات، ومهدي مصطفى الهادي الذي كان نصف رباطابي ونصف جعلي وآخرون.
< ذكريات مع نميري؟
– حينما كان نميري في القاهرة بعد الانتفاضة وكان معه صحفي وبحضور محي الدين صابر، ومولانا دفع الله الحاج يوسف وسأله الصحفي أنت عملت مع العديد من البشر فمن هم الذين لفتوا نظرك؟ فكانت إجابته: الوزراء من الرباطاب الذين لم يقف أحد منهم ليطلب مني شيئاً طوال عملهم معي.
< وجبات محببة؟
– القراصة بالويكة الناشفة أو بالدمعة والحلو مر.
< الفضائيات؟
– البي بي سي والجزيرة والفضائية القدسية وأم درمان والنيل الأزرق.
< هل أنت مستقل؟
– نعم أنا مستقل وقومي مهني، لم أنتمِ لحزب إلا الاتحادي الاشتراكي في مايو لكني أشارك في أي عمل قومي مهني يطلب مني من أية جهة كانت حكومة أو معارضة، بقناعة أن العمل لمصلحة السودان وأنا حالياً عضو قومي في المجلس الأعلى للتخطيط الاستراتيجي، والعضو الاستشاري لوزير الزراعة والمجلس الاستشاري للتعليم العالي، وأشارك كثيراً في اللجان الوزارية والأكاديمية.
< عندما تقلق إلى أين تذهب؟
– لست كثير القلق وصلاتي وعلاقاتي عديدة، ولي صلات حميمة مع أهلي لأنني عملت في مجالات مختلفة وأنا عميد الأسرة ولا مكان للقلق في حياتي.
< هل بالإمكان أن تصبح الخرطوم خضراء مثل تونس؟
– ممكن عن طريق التعامل الرشيد مع البيئة والبني التحتية، ولكن الذي يحول دون أن تكون مثل تونس الجو الحار في الصيف، وتصاعد الهجرة اليها من الريف.
< طالب الجامعة اليوم ضعيف في التحصيل وفي الثقافة العامة بالمقارنة بطالب الأمس؟
– هذه المقارنة ليست عادلة لاختلاف الظروف، فقد كان عدد الطلاب قليلاً، ويسهل التعامل معهم في التدريس والجوانب التطبيقية، وأنا مثلاً كانت دفعتي في الزراعة (10) طلاباً فقط، حيث تم اختيار ستة منهم بالحصول على الماجستير والدكتوراة وقد كان.
علاوة على أن طالب اليوم أصغر عمراً وأقل خبرة، والآن محاضراتهم كلها في الموبايل وقلة من الإنتباه في قاعات الدراسة والميول المغالي في الجانب السياسي عند بعضهم، وللأسف تصاعد العنف بين الطلاب، وقد كان ذلك غير موجود في جيلنا، فكانوا يختلفون في الرأي ويتحابون في المعاملة.
< رسالة لأبنائك الطلاب؟
– رسالتي أن ينتبهوا أكثر وبحرص على التحصيل الأكاديمي العملي والنظري، وأن يمارسوا الجانب السياسي بالرشد والحكمة وقبول الآخر.

 

akhirlahza