يوسف عبد المنان

الكهرباء (جات)!!


حتى الأسبوع الثاني من رمضان أوفت وزارة الكهرباء بوعدها الذي جاء على لسان الرئيس “عمر البشير” بأن شهر رمضان لن يشهد قطوعات للتيار الكهربائي على الأقل في الأحياء السكنية.. وقد خفف سريان التيار الكهربائي من حرارة وقيظ ووهج الشمس هذا العام خاصة في العاصمة الخرطوم التي لم يصم رمضان فيها إلا من أقعدتهم أوضاعهم الخاصة، وقد نسبت قروبات على (واتساب) لوزير الإعلام قولاً غريباً عن عدد السودانيين الذين اتجهوا لمصر لقضاء شهر رمضان، وحدد الوزير حسب الخبر المنشور رقماً مفزعاً (200) ألف أسرة، بينما خرجت من الخرطوم للجزيرة وكردفان ودارفور أعداد كبيرة جداً من العائدين لأوطانهم اتقاء الحر الشديد في الخرطوم وبحثاً عن الأجواء الخريفية الباردة في الأقاليم.
إذا كنت تجلس في فناء بيتكم والعرق يتصبب من جبينك وأطفالك حولك يسألون عن عودة الكهرباء.. والصبية في انتظار متابعة مباراة في كرة القدم هي المتبقي الوحيد لزرع الأفراح في النفوس، وفجأة عاد التيار الكهربائي وتزينت ساحة المنزل بمصابيح الكهرباء.. وعادت مراوح السقف للدوران، وجميع أهل الحي تنشرح صدورهم ويبتسمون لعودة التيار الكهربائي.. لكن ماذا عن صورة إنسان ظل كل عمره يحلم بمشاهدة التلفزيون وإضاءة منزله بالكهرباء القادمة من (دار صباح)، وقد ذهب البترول الذي يحرسه أبناؤه لتمويل مشروع سد مروي على أمل أن تبلغ خيرات مروي السودان من أقصى الشمال إلى أقاصي الجنوب والغرب ولكن سد مروي تأخر عن وعده.. لم يفِ بحقوق الدائنين إلا مؤخراً جداً.. الآن فقط الكهرباء تطرق أبواب جبال النوبة في خريفها المظلم وواقعها المزري وتخلفها التاريخي وإنسانها الذي انتظر طويلاً الاندماج في المنظومة القومية من حيث الخدمات من طرق وكهرباء ومياه وتعليم وصحة. وإذا كانت سنوات ما بعد 2005 حينما أرخى السلام سدوله على جبالا النوبة قد وصل الطريق الأسفلتي الخرطوم.. كوستي الأبيض.. الدلنج.. كادوقلي وتمدد جنوباً نحو كاودة التي لولا الحرب التي تجددت لبلغها الطريق القومي.. وإذا كان مولانا “أحمد هارون” و”عمر سليمان آدم” قد كتبا اسميهما في سجل من أوفوا العهد بالطريق فإن اليوم يكتب المهندس “معتز” لنفسه ولحكومته ولوزارته تاريخاً جديداً بدورهم في إضاءة ظلمات جبال النوبة.. بعد خمس سنوات من وصول التيار الكهربائي مدينة الدبيبات وتركيب المحطة التمويلية.. وانتظار الصينيين الذين (أخذوا) معهم مفاتيح المحطة التمويلية ليعودوا.. ولكنهم- أي الصينيون- كانوا (تجار قطاعي)، بمجرد توقف نفط الجنوب طالبوا السودان بكل متأخرات الديون و(أوقفوا) الصرف على القرض الذي قدمته الحكومة الصينية بمبلغ (4) مليارات دولار أمريكي.. شيء ما فعله “معتز موسى” وهو صامت لا يتحدث، ولكن فريق المهندسين بقيادة المهندس “شمو” يرسل عبر الإيميل لوزير الكهرباء عن جاهزية المحطة للافتتاح في (17) رمضان.. والنائب الأول الفريق أول “بكري حسن صالح” يعتزم افتتاح المحطة التحويلية في الدبيبات ويفتتح دخول الكهرباء مدينة الدلنج، لكن الفريق “بكري” رأفة بالمواطنين وعدم حملهم على الاحتشاد والاحتفال في رمضان، واستجابة لرغبة أهل المنطقة يعلن عن قضاء أيام العيد في الدبيبات وفي الدلنج ليشهد أفراح تلك المنطقة رغم ليل حزنها الطويل بدخول الكهرباء، وهو مشروع يهزم مشروع التهميش.. وخطوة عملية تثبت أن التنمية لكل السودان إذا استقر الأمن ووضعت القوى التي تحمل السلاح البندقية.. ولكن بندقية وصول الكهرباء لجبال النوبة أعلى صوتاً من كل أنواع السلاح.. لكن متى نعطي الحدث ما يستحق من الاهتمام؟!