تحقيقات وتقارير

المدنيون المشاركون في انقلاب “30 يونيو”.. من هم.. وماذا فعلوا


الروايات التي رويت عن انقلاب 30 يونيو 1989 خلال الـ(27) عاماً على لسان شاهدي ذلك العصر أعطت انطباعاً بأن ثورة 30 يونيو كانت ثورة العسكر الذين قاموا بالانقلاب وتسلموا السلطة، وتم استيعاب القيادات النافذة في مجلس قيادة الثورة، وأن تنظيم الجبهة الإسلامية فقط قام بوضع خطة التمكين التي أقرها شورى الحركة الإسلامية الخاص وقادت للاستيلاء على السلطة على ضوء أن كل تفاصيل خطة الانقلاب ظل يرويها العسكريون، إلا أن كثيراً من الوثائق والأقوال التي رواها معاصرون للمشهد والمعلومات التي بدأت تتكشف حديثاً تدل على أن المدنيين في تنظيم الجبهة الإسلامية كان لهم دور كبير في الترتيب والتخطيط لثورة 30 يونيو 1989. ومن أقوى الشهادات التي قيلت في هذا الإطار شهادة الراحل دكتور “حسن الترابي” لبرنامج (شاهد على العصر) بقناة الجزيرة التي قال فيها إن الحركة كلها في تلك الليلة مدنية ولم تكن عسكرية، وأجهزة الاتصالات كلها عطلت ورتُب جهاز جديد أدير بالكامل بواسطة عضويتنا، وقال: (كنا قبل الثورة نستورد هذه الأجهزة من الخارج بغرض التجارة أو لبعض الوزارات التي يعمل فيها عضوية الجبهة الإسلامية الذين كان أغلبهم في مؤسسات العمل العام)، مؤكداً أن الاتصالات لم ترتب بأجهزة الدولة وإنما بأجهزة التنظيم، “حيث كان ليلة الانقلاب يقف كل واحد من منسوبينا في موقع من المواقع الحيوية ومعه جهاز اتصال، وحتى مجلس قيادة الثورة شكّله الفنيون”. وسبق أن أشار المرحوم شيخ “يس عمر الإمام” في حوار أورده “عبد الرحيم عمر محيي الدين” في كتابه (الهوى والهوية) إلى أن الترتيب لانقلاب 30 يونيو 1989 كان فيه عمل عقلي وفني كبير جداً قاده الشهيد المهندس “محمود شريف” والأخ “حسن عثمان رزق”، موضحاً أن المهندس “محمود شريف” أشرف على عملية إنشاء وحدة اتصال تلفونات لا سلكية لا علاقة لها بشبكة الاتصال التي كانت موجودة في البلد، وإدارة اتصالات الحركة الإسلامية كانت تحت إدارة “محمود شريف” و”إمام علي إمام”، ومعلوم أن هذه الأدوار كانت لمدنيين وليس عسكريين.
وأكد أن هناك مدنيين كانوا مسؤولين عن الإشراف على التنفيذ، منهم “محمد أحمد الفشاشوية”، “علي كرتي”، “علي الروا”، وهناك عناصر داخل الجيش، وقال: (كنا حريصين أن لا تكون لنا علاقة بالجيش، أكثر ناس كانت لديهم علاقة بالجيش هم “عوض الجاز” و”حسن الترابي” و”إبراهيم السنوسي”)، فيما أشار “الترابي” إلى أن العمل (رتب بواسطة مجموعة فنية من قيادات منا “مدنية” ومجموعة فنية دونها من الضباط والجنود، كلهم مصنوعون، قد يكون أحدهم مدنياً ومرتدياً لِبس الجنود و”عوض الجاز” كان يمثل حلقة الوصل بيننا والقوات المسلحة).
“حسن رزق” كان واحداً من الذين ورد اسمهم في بعض الكتب التي كتبها إسلاميون عن الانقلاب، باعتباره واحداً من المدنيين الذين شاركوا في الثورة، عندما سألته عن دور المدنيين في انقلاب 30 يونيو قال لنا: (الترتيب قام به المدنيون بالتعاون مع العسكريين باعتبارهم قائمين على أمر العمل الخاص، والمسؤولون عن المكاتب كانوا مدنيين والمجلس العسكري كان يقوم بمساعدتهم، والمدنيون كانوا بمثابة قوى مساعدة أو مساندة، يقومون مثلاً بمهام مثل تسهيل الاتصالات وتوصيل الناس، وحسب ما علمت أن هناك عدداً كبيراً من المدنيين التابعين للتنظيم كان مستعداً للتدخل، فكل الذين تدربوا على السلاح في ليبيا وأماكن أخرى كانوا سيتدخلون لو كان هناك احتياج لهم، لكن هذا لم يحدث، فأي شخص تدرب على السلاح من غير المجموعات المعروفة كان في حالة استعداد، وأعتقد أنهم لم يكونوا على علم بوجود انقلاب، قد يكونون كلفوا من قبل التنظيم بفهم أن هناك تحركات لانقلاب من قبل البعثيين أو الشيوعيين وأنا سمعت بأنه كانت هناك مشاركة من المدنيين لكن لا أستطيع الآن أن أؤكد أو أنفي).
فيما أوضح عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ عميد معاش “محمد الأمين خليفة” الذي كان يجمع بين الصفتين التنظيمية والعسكرية في حديثه لـ(المجهر) أن العسكريين كانوا عبارة عن قوة تنفيذية لكن المدنيين في الحركة الإسلامية كانوا قوة تخطيطية وتنفيذية، لذلك كان ليس مستغرباً أن ترى منسوبي الحركة الإسلامية مشاركين في التخطيط والتنفيذ في جوانب نقابية، مثل التأمين وخدمات الناس العامة والقيام بمهام الاتصالات، وهكذا.. بعض العسكريين كانوا حركة إسلامية ومشاركين في التخطيط والتنفيذ. وعندما سألناه عن طبيعة مهمة إحضار “البشير” للخرطوم هل كانت مدنية أم عسكرية؟ أكد أن “البشير” كان يتحرك بأمر المخططين ولم يأت بتعليمات عسكرية، وصحيح أنه قدم بتعليمات عسكرية لحضور دورة في القاهرة لكن استُغل هذا الظرف في تخطيط مدني لتنفيذ التغيير.
من الشخصيات التي كانت مشاركة بصورة فاعلة وفقاً لما ورد في الإصدارات التي كتبت عن انقلاب 30 يونيو 1989 “عوض الجاز” الذي كان مسؤولاً عن مكتب التنسيق الفني، وهناك شخصيات كانت تعمل معه وتعدّ من القيادات العليا، منهم “علي كرتي” “علي الروا” الذي توفي و”محمد حسن أحمد المقلي” الذي لقي حتفه في حادث مروري وهو شقيق الراحل “عبد الله حسن أحمد”، الذي قيل إنه سيطر على مكتب القائد العام وسلمه لـ”عمر البشير” آنذاك.
وحسب شهادة الراحل “يس عمر الإمام” أنه كان هو و”علي عثمان” و”عوض الجاز” يتولون أمر الحكومة أيام الانقلاب.
وهناك شباب وطلاب شاركوا كمدنيين في الانقلاب، بعضهم قام بحراسة الكباري، منهم من كانوا طلاباً بجامعة الخرطوم، وقيل من بينهم دكتور “التجاني المشرف” الذي كان يقود مجموعة من الطلاب بينهم دكتور “عصمت محمود” حسب ما ذكرته الكتب التي وثقت للانقلاب، كذلك عمليات التأمين وكتابة بيان الثورة، كلها كانت أدوار مدنية.
المهندس “يوسف لبس” أُشير أنه كان واحداً من الطلاب الذين كانت لهم مشاركة في الانقلاب، وأجرينا اتصالاً هاتفياً معه لمعرفة حقيقة المشاركة وتفاصيل الدور، “يوسف” لم يثبت أو ينفي المشاركة، لكنه خاض في حديث عام عن دور المدنيين في تنظيم الجبهة الإسلامية، مؤكداً أنه على المستوى الأفريقي أية حركة انقلابية لابد أن تكون مدعومة بقوى سياسية، لأن العسكر وظيفته قتالية ولا يمكن أن يقوم بكل التدابير وترتيب أوضاع البلد.. وبالنسبة للتخطيط والترتيبات الأمنية والتأمين وتحديد الجهات ولحظة التنفيذ، هذه كلها كانت أدواراً لقوى مدنية.

تقرير – فاطمة مبارك:صحيفة المجهر السياسي