منوعات

“مأمون وشركاه”… إفلاس يغازل رغبات النظام


من الإفلاس الإبداعي أن يتماهى الفنان في السلطة ومواقفها، التي تخضع في أحيان كثيرة لانحرافات السياسيين وانتهازيتهم. فتكون أعماله صدى لصوت النظام، وتصريحاته تسبيحاً بحمدهم. وفي هذا السياق أثار مسلسل “مأمون وشركاه” الذي يعرض في رمضان هذا العام، العديد من الانتقادات، فضلاً عن اتفاق العديد من النقاد والمتابعين على أن خيوط المسلسل الدرامية ضعيفة ومفككة وغير مترابطة، وأن ما يقدمه العمل ليس سوى كوميديا مفتعلة ومتكلفة. فيما ذكر الناقد الفني، طارق الشناوي، أنّ خللاً في المضمون الدرامي للمسلسل أثر بشكل سيئ على العمل بأكمله، وجعل المخرج لا يستطيع التغلب على العواقب التي واجهته.

أما أهم عناصر المسلسل، التي يمكن أن نلاحظ فيها تملق، عادل إمام، للسلطة، فتتمثل في التطبيع، استعداء الدول التي يعاديها النظام، تمجيد السلطة والأمن الوطني. الإشارات التطبيعية، التي تلهث وراءها الحكومة المصرية، كانت واضحة جداً من خلال المسلسل الذي يتعرض لبعض اليهود المغاربة، الذين يدافعون عن الحركة الصهيونية، ويدّعون بناء بني إسرائيل للأهرامات، كما تروج بعض المنابر الإسرائيلية.
كما أن ابن مأمون (خالد سليم) متزوج من يهودية، وتتعدد المشاهد التي تظهر فيها الرموز اليهودية والإسرائيلية. وتبدو الليونة في معالجة هذا الجانب انعكاساً، لرغبات السلام الدافئ الذي بشر به السيسي. ومن الصعب تفهم أن المسلسل يقصد بث روح السماحة بين الأديان كما يدعي، عادل إمام، وأنه يفصل بين الديانة اليهودية والحركة الصهيونية؛ لأنه في نفس المسلسل يصر على تكرار الصورة النمطية الكريهة للمتدينين المسلمين المصريين، الذين يوصفون دائماً بالإرهاب، والذين يمثلون الخصوم السياسيين الرئيسيين لنظام السيسي.

محاولة التشويه لم تقتصر على الإسلاميين، وإنما تجاوزت ذلك إلى المسيحيين الذين اعتبروا المسلسل مليئاً بالأغلاط مما يدل على عدم إلمام المؤلف، يوسف معاطي، وفريق العمل وعلى رأسهم، عادل إمام؛ بمبادئ الدين المسيحي العقائدية وطريقة تأدية الصلوات والحلال والحرام. أما عن الانسياق وراء السلطة في معاداة بعض الدول العربية، فقد تمثل في الربط بين أحد أبطال العمل الإرهابيين وبين قدومه من دولة قطر، بلا أي معالجة فنية تتسق مع الحبكة الدرامية سوى الزج باسم قطر، مثلما الزج به سابقاً في قضية التخابر الهزلية. وهو ما أثار حفيظة الفنان القطري، عبد العزيز جاسم، الذي قال إنه “لا ينبغي التورط بالرد على هذا العمل لأن الشعب القطري يحترم الشعب المصري”.

فيما حرص المسلسل على تلميع صورة “أبانا الذي في المباحث”، فأفراد الداخلية وخاصة ضباط الأمن الوطني يتسمون طوال الوقت بالحكمة، وحسن التصرف، مع الطيبة المفرطة وتجنب الوقوع في الأخطاء المهنية والأخلاقية. في تناقض صارخ مع الواقع المؤسف الذي ورط الحكومة في حرج دولي وأزمات داخلية أيضاً، بسبب انتهاكات الشرطة لحقوق الإنسان. وبالعودة إلى رصد مواقف عادل إمام التاريخية مع السلطة، سنجد أن عبارته الشهيرة في مسرحية “الزعيم” التي تقول: “أنا اللي يحكمني أسقف له وادعي له”. تمثل دستوراً اتخذه هذا الممثل في حياته، وهي من المرات القليلة التي كان فيها “المشخصاتي” صادقاً مع نفسه. فقد كان الرجل يفعل ذلك مع جميع من وصلوا إلى سدة الحكم في مصر، سواء أكان ذلك الوصول بطريقة شرعية أم غير شرعية. وطوال حياته لم يفوت إمام فرصة للمكوث بين يدي السلطة، والتسبيح بحمد الجالس على الكرسي، مُقدماً الولاء اللازم لبقائه في منطقة “الفئات الآمنة” في المجتمع.

لم يخجل إمام، سابقاً، من أن يقف أمام الكاميرات ليكيل المديح لحسني مبارك ثم محمد مرسي ثم عدلي منصور، ثم أخيراً، وربما ليس آخراً، عبد الفتاح السيسي. أيام مبارك؛ تحدث عن طول صبر الرئيس على معارضيه، واعتبر أن ما يقدم من نقد لمبارك كان يصب في صالح “حزب الله”! (العدو الرسمي آنذاك). غير أنه في أثناء ثورة 25 يناير، هرول إلى بعض الفضائيات ليعلن براءته مما نسب إليه من دعم مبارك، حين نقلت عنه وسائل الإعلام تصريحاً يدعي فيه أن المتظاهرين تحركهم أياد خفية، وأجندات خارجية، بغية الحصول على مطالب عبثية. لذا عاد إمام أدراجه سريعاً، وقال إنه متعاطف مع ثورة الشباب السلمية، وأن على الحكومة أن تستمع إلى مطالب الشعب وتستجيب لها.
وأثناء تفاعلات الثورة، حاول مبارك احتواء الأمر بإقالة، أحمد عز، من أمانة الحزب الوطني، ثم تعيين، عمر سليمان، نائباً للرئيس، وأحمد شفيق، رئيساً للوزراء؛ وهنا سارع عادل إمام ليصرح لقناة “العربية” بمباركته لهذه الخطوة التي من شأنها أن تعيد الأمور لمسارها الصحيح.

وعندما احتدمت المنافسة الانتخابية بين مرشح الدولة العميقة، أحمد شفيق، والدكتور محمد مرسي، في الجولة النهائية، لم يصرح إمام بأنه اختار شفيق الذي يراه صاحب إنجازات مشهودة، واكتفى بقوله: “أعطيت صوتي لمن يستطيع إنقاذ الشعب المصري من عنق الزجاجة، ويتخطى المرحلة الحرجة”.

وقد تركت له هذه الإجابة الفرصة ليكون ضيفاً في لقاء الفنانين الذي استضافه الرئيس الفائز، مرسي، في قصر الرئاسة، ويومها أثنى عليه عادل إمام ثناء حاراً، حين تحدث إلى بعض وسائل الإعلام عن احترامه الكبير للرئيس مرسي. بعد 30 يونيو، لم يخالف عادل إمام التوقعات، فقد سار في ركب من قال إن السيسي وضع حياته على كفه حين انضم إلى جموع الناس في مظاهرات 30 يونيو. وبعد إعلان 3 يوليو؛ لم يفوت إمام فرصة تعيين، عدلي منصور، رئيساً شكلياً للجمهورية، لحين توفيق أوضاع السيسي وتهيئة المنصب لاستقباله، بقوله: “عدلي منصور شكله شكل رئيس”! كما كان له تصريح آخر يتوافق مع التوجه الرسمي لمكتب، عباس كامل، يقول: “عدلي منصور رئيس يستحق الاحترام، والسيسي الأنسب لرئاسة مصر”. كما كان إمام مؤيداً مطلقاً لإراقة دماء معتصمي رابعة والنهضة.

ومع إقدام السيسي للجلوس على كرسي الرئاسة في مسرحية انتخابية مشهودة، كانت لإمام تصريحات متعددة مثل، إن “مصر بتحب السيسي والسيسى بيحب مصر”. وقوله: “أريد أن أؤكد أن الله أكرمنا بهذا الرجل، كما أكرمنا أيضا بالجيش المصري العظيم، الذي وقف بجانب الشعب في أفضل ثورة شعبية تاريخية في 30 يونيو”.

العربي الجديد