الصادق الرزيقي

الإسراف في التوهم


> لا جديد في تصريح قطاع الشمال في الحركة الشعبية اول من امس، سوى إبداء النية المشروطة لوقف إطلاق النار لمدة عام قابلة للتجديد ويشمل ذلك دارفور، فكل ما قاله أمينه العام ورئيس وفده للتفاوض حول خريطة الطريق، مجرد رسائل إلى جهات أخرى ليس من بينها الداخل السوداني، ولا تخدم قضية السلام ووقف الحرب في المنطقتين، فمع الضغوط التي تواجهها المعارضة المسلحة وانسداد الافق أمامها والتحولات الجارية في المنطقة وما يتم على الارض، لم تجد الحركة الشعبية – شمال، إلا دس السم في الدسم، فتصريحات أمينها العام الاخيرة ظاهرها إيجابي نوعاً ما، لكنها تستبطن الشرور وتضع ذات الشروط التعجيزية القديمة التي تسببت أكثر من تسع مرات في فشل جولات التفاوض مع الحكومة بالعاصمة الإثيوبية أديس ابابا . > والغريب أن رهان الحركة الشعبية شمال، على الحوار بين الحكومة والادارة الامريكية، وبأنه سيدفع النقاش حول خريطة الطريق وتفعيل وقف العدائيات، لا يمكن تفسيره إلا في اتجاه واحد، هو الاعتقاد أن جدوى الحوار الجاري بين الخرطوم وواشنطون وفاعليته ونجاعته مضمونة لتحقيق هدف واحد هو ارغام الحكومة للقبول بما تشترطه واشنطون والحركات المتمردة، بل تمضي الحركة اكثر من ذلك بتصديقها أنه حوار بالوكالة يقوم فيه المبعوث الرئاسي الامريكي دونالد بوث بتبني ونقل رأي وتصورات قطاع الشمال إلى الخرطوم، ويعتقد الأمين العام ياسر عرمان أن لسان السيد بوث هو لسان الحركة الشعبية شمال، وما تتوصل إليه واشنطون مع الخرطوم يضمن ما ترغب فيه الحركة ويلبي مطالبها ويحفظ حقوقها، وواضح ما استند إليه الأمين العام للحركة الشعبية – شمال في الحديث الذي دار بينه وبين المبعوث الامريكي قبل أسبوعين في أديس ابابا خلال لقاء السيد بوث بالمعارضة السودانية والحركات المتمردة، فقد تناول ذلك اللقاء ما ظلت تتمسك به الحركة طوال جولات التفاوض السابقة، خاصة القضايا المتعلقة بالوضع الإنساني والتحول الديمقراطي وكيفية مرور الإغاثة ووقف إطلاق النار من أجل تسهيل عبور المساعدات الإغاثية للمتضررين.. > ونسبة لأن الشروط التي تضعها الحركة غير مقبولة من جانب الحكومة، فإن ما قاله عرمان حول استعدادهم لوقف إطلاق النار لمدة عام، وبقية ما ورد في تصريحاته لا يمثل نقطة تفاهم فعالة يمكن الأخذ بها والتقدم خطوات نحو الأمام، فالحركة مازالت متمسكة بمواقفها السابقة، وما تلويحها بالتوقيع على خريطة الطريق الا لجعله (عربوناً) تدفعه شفاهة، حتى ينجلي حوار الادارة الامريكية مع الحكومة، وهو الذي يعضد القول بأنه لا جديد في ما يقوله عرمان، وربما يكشف حالة التوهم المفرطة لديه بأن مبعوث الإدارة الامريكية يحمل قائمة تتضمن ما تريده الحركة قطاع الشمال في أي مشروع اتفاق او في حالة الانضمام للحوار الوطني . > وغير خافٍ أن الحكومة في رفضها لما يسمى الملحق لخريطة الطريق التي وقعتها منفردة، تعلم بشكل جيد نفاد الوقت بالنسبة للمعارضة السياسية والمسلحة حتى توقع على خريطة الطريق، كما تعرف الحكومة ان الآلية الإفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثابو مبيكي والمبعوثين الدوليين وأطراف اقليمية ودولية، لا وقت لديهم يضيعونه في التزايدات السياسية واللعب على حبال الزمن، وهي الحرفة التي تجيدها اطراف المعارضة وفي مقدمتها قطاع الشمال، فصبر الوساطة انتهى ولا جدوى من المماطلة، وهناك احاديث جرت وراء الأبواب المغلقة في اجتماعات المعارضة أخيراً في أديس أبابا، كانت من الوضوح والصراحة والصرامة مما جعل رسائل قطاع الشمال الكلامية تبدو وكأنها تطور جديد .. > وفي كل الأحوال، ليس هناك ما يمكن الاعتماد عليه والأخذ به في تصريحات قيادة قطاع الشمال الا اذا كان هناك شيء ملموس على الأرض، مثل الالتزام القاطع بوقف اطلاق النار في المنطقتين والبدء في ترتيبات فورية تنهي حالة اللاحرب واللاسلم، وتفتح الطريق أمام الخطوات العملية للاتفاق بعد توقيع خريطة الطريق واللحاق بالحوار.