منوعات

لماذا يعد الرابع من يوليو/تموز تاريخاً مهماً لكل المسلمين؟


قبل 600 عام من تحول الرابع من يوليو/تموز إلى تاريخ مهم في حياة الأميركيين (يوم استقلال الولايات المتحدة)، كان ذلك التاريخ نفسه موعداً احتفالياً عبر العالم العالم الإسلامي، والذي كان في ذلك الوقت في ذروة مجده. ربما يحتاج ذلك إلى بعض الشرح والتفصيل.

في نهاية عام 1095، ألقى البابا أوربان الثاني خطبة بمدينة كليرمونت الفرنسية. في تلك الخطبة، وجه البابا دعوة لجميع المسيحيين لحمل السلاح من أجل استعادة “الأرض المقدسة” من أيدي المسلمين الذين انتزعوها قبل ذلك بعدة قرون بينما كانت أوروبا غارقة في عصور الظلام، وفقاً لما نشرته صحيفة The Daily Beast الأمريكية.

ومع إطلاق تلك الدعوة، بدأت قرون (وربما آلاف السنين) من العنف، كانت أولى خطواتها هي الحملة الصليبية الأولى.

في ذلك الوقت، وجدت الحملة الصليبية أن قوى المسلمين –والتي كان يُنظر إليها في أوروبا على أنها كيان موحد- في حالة انقسام، وأن بعض عناصرها يخوضون حروباً مع بعضهم. والحق يقال، كان هناك حالة من التفكك بداخل كاثوليكيي أوروبا، ولكن ليس كالحالة التي كان فيها المعسكر الإسلامي، وهو ما أحدث الفرق. كانت النتيجة بانتصار الحملة الصليبية، على الرغم من القيود اللوجيستية والسياسية التي قيدت الحملة الأولى، ومع ذلك وعلى غير المتوقع، تمكنوا من السيطرة على القدس عام 1099.

بعد ذلك، قام الصليبيون بذبح نسبة كبرى من سكان القدس من المسلمين واليهود على حد سواء، بما يخالف تعاليم المسيح، ولكنهم في النهاية، تمكنوا من امتلاك هذا الجزء من الأرض المقدسة، محققين جزءاً من مجدهم الملطخ بالدماء بالكامل.

كانت الحملة الصليبية الثانية فاشلة، لذلك فلا داعي للحديث عنها، لنتقدم إلى سبعينات القرن الثاني عشر، ثم معركة حطين بعد ذلك.

قدوم صلاح الدين

كان العالم الإسلامي مقسماً بالفعل نتيجة للانشقاق بين السنة والشيعة، إذ لم يتمكن العالم الإسلامي من توحيد رايته منذ أن تمكن الأوروبيون من السيطرة على القدس، إلا أن جاء القائد صلاح الدين الأيوبي، والذي استطاع توحيدهم تحت راية واحدة، وجمع العالم الإسلامي على كلمة واحدة. كان صلاح الدين قائداً عظيماً عبر التاريخ، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه كان بارعاً بالدرجة نفسها في التعامل مع أبناء دينه.

خاض صلاح الدين معارك قُتِل فيه الكثير من أجل تحقيق تلك الوحدة للمسلمين، ولكن الأمر نجح في النهاية، وللمرة الأولى منذ أن غزا المسيحيون القدس منذ أكثر من 70 عاماً من ذلك الوقت، كان المسلمون قوة واحدة تحت قيادة رجل واحد.

والآن، هذه المرة كان المسيحيون مقسمين بدرجة كبيرة. كان الملك بالدوين -ملك القدس- قد مات (ذكرت قصته في فيلم مملكة الجنة The Kingdom of Heaven). كان بالدوين يبلغ من العمر 24 عاماً فقط، لذلك انتقل الحكم من بعده إلى ابن اخته، والذي توفي بعد ذلك بعام واحد فقط، بينما تزوجت أخته من رجل أخرق، والذي تولى الحكم بعد ذلك، ويدعى الملك غي دي لوزينيان.

سعى بعض نبلاء المملكة “المسيحية” الغازية -براغماتياً- إلى السلام والحياد، إلا أن فصائل أخرى مثل فرسان المعبد وفرسان الإسبتارية، سعوا إلى تطهير على أساس ديني، وعملوا على تحقيق ذلك بأي ثمن كان. لا تفاوض مع المسلمين، لا معاهدات أو سلام، كان منهجهم هو الهجوم فقط. لم تكن تلك طريقة ذكية على الإطلاق بالنسبة لقوة تمثل أقلية، وتحارب بعيداً عن بلادها وقواعدها. يضاف إلى هؤلاء آخرون ممن عاشوا في القدس، والذين جمعوا بين ذلك الجمود، وبين الجشع التام.

برز أحد أكثر هؤلاء تطرفاً، ويدعى أرناط (حكم إمارة أنطاكية والأردن بعدها)، حيث كان رجلاً شريراً بمعنى الكلمة، إذ لم يعرف سوى الكذب والغش والسرقة والخيانة. كان أرناط يوقع المعاهدات للحصول على امتيازاتها فقط (كان يزعم أن أي معاهدة مع المسلمين هي صورية فقط، ولا يعتد بها). في نهاية المطاف، قادت انتهاكاته بحق مجموعة كبيرة من مختلف القادة والتجار المسلمين إلى خراب المملكة المسيحية بالكامل، إذ كانت أفعاله هي المحرك الرئيسي لصلاح الدين ضدهم.

لم يكن رد أرناط على الجيش الذي جاء به صلاح الدين من المسلمين لتحرير أراضيهم سوى الهجوم، بدلاً من التفاوض، وهو ما لم يكن فكرة صائبة على الإطلاق.

كانت إستراتيجية صلاح الدين تعتمد بالأساس على استدراج الأوروبيين (وعددهم من 15 إلى 20 ألفاً) لمهاجمة قواته والبالغ عددهم 30 ألف مقاتل، إذ كانت تلك هي المرة الأولى التي يتمكن فيها المسلمون من تشكيل قوة بهذا الحجم، وهو ما أراد صلاح الدين استغلاله في أقرب فرصة. كان الهدف التكتيكي الأول لصلاح الدين هو سحب قوات الأوروبيين بعيداً عن قواعدهم لملاقاتهم على ساحة معركة مفتوحة، وقد وضع خطته لتحقيق ذلك الهدف.

بحيرة طبريا

بنهاية يونيو/حزيران، عبر صلاح الدين نهر الأردن من الشرق وسيطر على مدينة طبريا (لم يستولِ على قلعتها عمداً)، وهي مدينة رومانية قديمة تقع على الشاطئ الغربي لبحيرة طبريا، والتي تعد أهم مصادر الماء العذب في المنطقة بأكملها. وقد كان الحال كذلك بحلول عام 1187.

وبسماعهم بتحركات صلاح الدين وانتصاراته، وحقيقة أن قلعة طبريا لم تسقط بعد، دارت نقاشات بين المسيحيين أوصى خلالها مجلس من الحكماء بالتمسك بالمواقع الحالية للمسيحيين، إلا أن الملك غي دي لوزينيان أصر على الهجوم بغض النظر عن النتائج. وفي صباح 3 يوليو/تموز، غادروا معسكرهم متجهين نحو طبريا.

كانت المشكلة أمامهم هي أن ذلك الصيف كان جافاً على وجه الخصوص، وكانت الجداول المائية جافة ولا يوجد أي مصدر للمياه في طريقهم حتى الوصول لبحيرة طبريا، وهو ما يتطلب المرور على جيش صلاح الدين أولاً، على الرغم من أنهم لم يكونوا على علم بذلك، وذلك لأن جيش صلاح الدين نجح في التخفي حتى اللحظة الأخيرة.

وليتمكن من فعل ذلك، قام صلاح الدين بنشر قواته على بعد 5 أميال من ساحل البحيرة، ومن مدينة طبريا، وتواجد الجيش عند الخط الأخير من التضاريس المرتفعة عن الأرض، والتي لا يمكن رؤيتهم من خلالها، والتي تعرف باسم “قرون حطين”، وهو ما جعلهم في مأمن من رصدهم عن بعد.

شرع صلاح الدين بعد ذلك في تضييق الخناق على الصليبيين. في البداية أرسل رجاله ليحيطوا بجانبي الجيش المسيحي الذي كان يتحرك صوب طبريا. كان الهدف من هذه الخطوة هو قطع الطريق على الصليبين وإجبارهم على التراجع وإبطاء تقدمهم، وقد نجحت الخطة في ذلك.

في هذه الحالة، لم يتمكن الصليبيون من الوصول لمصدر المياه والحصول على الإمدادات المائية، وفي خلال ساعات، كان أغلبهم قد استنفذ ما معه من ماء، مع ملاحظة أنهم توقعوا الوصول إلى البحيرة بحلول منتصف اليوم أو في وقت متأخر بعد الظهيرة، إلا أن المناوشات مع الفرسان المسلمين جعلت من تلك المسافة تستغرق أكثر من ضعف الزمن المفترض لقطعها..
عند الغروب، وصل الصليبيون إلى قرون حطين، وهي النقطة التي تسبق الوصول لبحيرة طبريا مباشرة، حيث رأوا الماء أمامهم، إذ لم يكن يبعد سوى 5 أميال فقط، ولكنهم في الوقت نفسه رأوا شيئاً آخر، وهو القوة الأساسية من جيش صلاح الدين والتي تحول بينهم وبين البحيرة.

في تلك اللحظة، توقفت قوات الصليبيين بشكل مؤقت، وأغلبهم من المشاة. هم يحتاجون الماء، وبينما كان صلاح الدين قد أرسل قوة كبرى خلفهم لمنعهم من الهرب إذا حاولو التراجع، كان طريقهم الوحيد هو مواصلة التقدم نحو البحيرة. كان ذلك الوقت في شهر يوليو/تموز، في وقت يبلغ فيه الجفاف ذروته، ولم يكن أمامهم مصدر آخر للمياه بعدما غادروا قواعدهم، والآن تقف قوة كبرى في مواجهة طريقهم للماء. وبعد محاولات متقطعة، خيم الصليبيون في نهاية المطاف على التلال ليلاً، في ليلة كانت طويلة ومليئة بالعطش.

عامل الحسم

بقيادة صلاح الدين، تمكن جيشه من السيطرة على مصدر المياه، وهو عامل الحسم. في نهاية المطاف، رأى جيش الصليبيين الماء أمامهم بعد قرون حطين مباشرة دون أن يتمكنوا من الوصول إليه، بسبب الحصار الذي فرضه جيش المسلمين.
في الصباح بدأ الصليبيون عدة محاولات يائسة لكسر الحصار والحصول على الماء، إذ تمكن عدد قليل جداً من الهرب، بينما لم تتمكن الغالبية من ذلك. زاد صلاح الدين من الضغط عليهم بعدما أضرم النيران في الأعشاب والشجيرات الجافة المحيطة بجيش الصليبيين لتحترق خيام كبارهم، ولم تتبقَ سوى خيمة الملك غي دي لوزينيان.

يصف المؤرخ المسلم، ابن الأثير الجزري، ما حدث قائلاً “كان الفرنجة قد وصلوا إلى نقطة الاستسلام. أشعل المسلمون الأعشاب الجافة، بينما حملت الرياح الدخان إلى أعين الصليبيين، والذين أنهكهم العطش والنيران والدخان، وأمام حرارة الصيف ونيران القتال، لم يتمكن الفرنجة من المواصلة، ولكنهم رأوا أنه ليس بإمكانهم تجنب الموت إلا بمواجهته، فأطلقوا هجمات عنيفة على المسلمين كانوا على وشك فتح الطريق خلالها. ومع ذلك، عانى الفرنجة من خسائر فادحة في كل هجوم وتناقصت أعدادهم”.

بنهاية المعركة، كان جيش الصليبيين بأكمله بين قتيل وأسير، باستثناء القلائل الذي تمكنوا من الهرب، وذلك قبل نهاية الرابع من يوليو/تموز. وقع كل من غي دي لوزينيان وأرناط في الأسر، إذ أطلق سراح غي دي لوزينيان بعد ذلك، بينما قام صلاح الدين بإعدام أرناط بنفسه.

واصل صلاح الدين مسيرته بعد ذلك، إلا أن الرابع من يوليو/تموز مهد الطريق لاستعادة القدس، ولذلك يعد ذاك اليوم تاريخاً مهماً بالنسبة للمسلمين.

هافغنتون بوست