تحقيقات وتقارير

يشهد زيادة في الرسوم الدراسية العام الدراسي الجديد.. شمعة في الظلام


الإجلاس.. نقطة ضعف في العاصمة والولايات
نقص المعلمين والكتاب.. أزمة متجددة تبحث عن حلول

الرسوم والإجلاس والبيئة المدرسية أبرز العقبات
دورات المياه بالمدارس.. حمام لكل 300 تلميذ

في الوقت الذي يقرع فيها اليوم وزراء التربية والتعليم بالعاصمة وعدد من الولايات جرس بداية العام الدراسي، فإن أجراساً أخرى قرعها أولياء الأمور والتلاميذ، ولكن يبدو أنها لم تصل الى مسامع المسؤولين، فالشكوى من زيادة الرسوم بالمدارس الخاصة والمتوقعة بالحكومية كانت عنواناً بارزاً للفترة الماضية، ورغم قرار وزارة التربية والتعليم بالخرطوم القاضي بعدم زيادة الرسوم إلا أن المدارس لم تهتم له كثيراً بدعوى ارتفاع مدخلات العملية التعليمية، وإذا كانت الرسوم تمثل هماً لأولياء الأمور فإن مجالس تربوية تشكو من عدم قدرتها على توفير الإجلاس للصغار الذين ما يزال الكثير منهم يتخذون الأرض مكاناً لتلقي تعليمهم، فيما يجأر معلمون انتظموا في أسبوع المعلم بمر الشكوى من تردي البيئة المدرسية وعدم تأهيلها للعام الدراسي الجديد.

زيادة في الرسوم
عندما يتوجه التلاميذ صباح اليوم صوب المدارس، فإن أولياء الأمر سيتنفسون الصعداء، وذلك لأنهم دخلوا في تجربة مريرة وامتحان قاس خلال الفترة الماضية، حيث استوجب عليهم القتال في عدد من الجبهات، فبخلاف توفير مستلزمات شهر رمضان وعيد الفطر كان عليهم السعي لتوفير رسوم المدارس التي شهدت بالعاصمة والولايات ارتفاعاً ملحوظاً رغم قرارات وزارت التربية القاضية بعدم زيادتها.

وهنا يشير الموظف أحمد إلى أن المدرسة الخاصة التي يدرس فيها ابنه صاحب الأحد عشر عاما فرضت زيادة تبلغ 25% من رسوم العام الماضي، وهذا جعله يذهب محتجاً للمدير بدعوى قرار وزارة التربية بولاية الخرطوم، إلا أن المدير ـ والحديث للموظف أحمد ـ أكد له عدم تراجعهم عن الزيادة لجهة ارتفاع تكلفة العملية التعليمية، وقال إنه لم يجد خياراً غير الإيفاء بدفع القسط الأول البالغ ثلاثة آلاف جنيه، وذات الأمر تكرر في أكثر من ولاية، وهنا يوضح الفاضل من مدينة القضارف أن المدرسة الخاصة التي يدرس فيها اثنان من أبنائه أيضاً عملت على زيادة الرسوم رغم احتجاجات أولياء الأمور الذين يؤكد رضوخهم في النهاية للأمر الواقع.

وسألت “الصيحة” مدير مدرسة خاصة ببحري عن أسباب الزيادة في الرسوم وأكد أن مدخلات العملية التعليمية شهدت ارتفاعاً كبيراً وأن هذا حتم عليهم مكرهين ـ كما أشار ـ زيادة الرسوم، وقال إن الوزارة التي تنال نصيباً من رسوم كل طالب كان عليها أن توضح لأولياء الأمور المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها المدارس الخاصة بدلاً عن تأليب الرأي العام عليها.

جولة صادمة
وكشفت جولة الصيحة في 19 مدرسة حكومية وخاصة بالعاصمة والولايات افتقارها للمرافق الصحية الملائمة للشروط المطلوبة بالإضافة الى تردي البيئة المدرسية المتمثلة في الإجلاس ومصادر مياه الشرب والفصول، فعلي صعيد دورات المياه التي لا تحظى باهتمام فإن الغريب في الأمر أن المرافق الصحية بأربع وزارات تعليم وقفت عليها الصيحة تبدو بحالة جيدة كما هو الحال في تسع وزارات ومقار حكومية، وخلال جولتنا بعدد من مدارس العاصمة والولايات، حاولنا تلمس مدى الالتزام بمعايير منظمة الصحة العالمية التي تشترط توفر مرحاض لكل 15 بنتاً أو 25 لكل صبي، ووجدنا أن هذا المعيار غير مطبق في كل المدارس التي زرناها ومن خلال إفادات معلمين، ويكفي فقط على سبيل المثال أن نشير إلى أن ثلاث مدارس أساس بمايو، اثنتان للبنين وواحدة للبنات تفتقر لدورات المياه، غير أن مدرسة البنات الأساسية توجد بها ثلاثة حمامات، وعلمنا من أحد المعلمين أن بالمدرسة 900 تلميذة وهذا يعني أن المعدل الذي حددته منظمة الصحة العالمية في هذه المدرسة ليس غير موجود وحسب بل إن كل 300 تلميذة يشتركن في حمام واحد، والأدهى والأمر أن هذه الحمامات بلدية وليست “سايفون” أو موصولة بشبكة صرف صحي وهذا جعل تلميذات بحسب المعلم كثيراً ما يتوجهن صوب المنازل التي تجاور المدرسة لقضاء حاجتهن، وقال إن الكثير منهن يفضلن فعل هذا عندما يعدن أدراجهن إلى منازلهن، أما مدرستا الأولاد فواحدة منهما يقضي تلاميذها حاجتهم خارج سور المدرسة ووراء الفصول، وأكد مواطن يقطن بالحي تحدث لـ(الصيحة) أنه كثيراً ما رأى التلاميذ يقضون حاجتهم في الطرق المحيطة بالمدرسة، وإذا كان حي مايو يصنف من ضمن الأحياء الفقيرة، فإن الوضع في مدارس الصحافة وهو من الأحياء المتوسطة لا يبدو أفضل حالاً، فمدرسة خاصة سجلنا لها زيارة أوضحت لنا هذه الحقيقة، حيث وجدنا بها ستة حمامات، اثنان منها مخصصة للأساتذة وأربعة لما يربو على المائتين وخمسين تلميذاً، وحكى لنا هاشم وهو طالب بالمدرسة التقيناه بالقرب منها أن الحمامات دائماً ما تكون في حالة ازدحام خاصة عند موعد الخروج لتناول وجبة الفطور، وقال إن الكثير من الطلاب يفضلون قضاء حاجتهم وراء الفصول أو في ملعب الكرة الذي يجاور المدرسة، وقال إنه يعمد الى عدم شرب مياه كثيرة أثناء ساعات اليوم الدراسي حتى لا يجد نفسه مجبراً على التوجه نحو الحمامات التي وصفها بالمتردية.

واقع مشابه
في مدرسة خاصة بأرقى أحياء العاصمة “كافوري” فإن عدد الحمامات الموجودة تبلغ خمسة لمدرسة أولاد أساسية، ويحكي لنا تلميذ يدرس بهذه المدرسة أن “فسحة الفطور والشتاء” يمثلان كابوساً حقيقياً له ولزملائه، وذلك لمحدودية المرافق الصحية الموجودة، وأشار إلى أنه يفضل قضاء حاجته عند بداية الحصص وذلك لأن الحمامات ساعتها تكون غير مزدحمة.

في مدرسة أساس بالحاج يوسف وجدنا بها حمامين فقط، أحدهما غير صالح للاستعمال، وذات الأمر وجدناه في مدارس بالجزيرة والقضارف وشمال دارفور، بل إن بعض المدارس بالولايات تفتقر الى السور دعك من المرافق الصحية.

وهنا يشير موجه تربوي التقيناه أمس إلى أنهم ومن خلال زيارتهم الدورية للمدارس بشرق النيل لاحظوا عدم وجود العدد الكافي من الحمامات، غير أنه يؤكد أن هذا لا يدخل من ضمن اختصاصاتهم، وأن إدارة أخرى هي المسؤولة، ويقول: عملت في سبع مدارس بالعاصمة والولايات وأستطيع التأكيد على تردي البيئة المدرسية عامة والمرافق الصحية على وجه الخصوص، فهي إما غير موجودة أو عددها قليل مقارنة بالطلاب، أو أنها لا تخضع لعملية نظافة دورية ومعظمها “بلدية”.

وما ذكره الموجه التربوي طرحناه على مدير مدرسة ثانوية بالجزيرة فاعترف بوجود مشكلة حقيقية في المرافق الصحية وقال إن الطالب يقضي أكثر من ست ساعات في المدرسة، وهذا يعني ضرورة ذهابه الى الحمامات لقضاء حاجته، ويلفت الى أن المسؤولية مشتركة بين وزارات التربية ومجالس الآباء، وكشف عن ملاحظة وقف عليها وقال: عندما يتم تشييد مدرسة جيدة فلا توجد معايير ثابتة وواضحة فيما يتعلق بالحمامات، وفي أفضل الحالات يتم تشييد أربعة أو خمسة، كما أن المدارس القائمة لا تعمل سنوياً على زيادتها بل إنها تفتقر إلى المياه.

أهمية قصوى
كانت تلك جولتنا الميدانية بعدد من المدارس، وهنا نسأل ما هي أهمية وجود عدد كافٍ من المرافق الصحية بالمدارس، الإجابة مباشرة نجدها لدى منظمة الصحة العالمية التي تشير الى أن المدارس تؤثر جزئياً في صحة الأطفال ورفاهيتهم من خلال توفير بيئة صحية أو غير صحية، ومع أن مرافق ‏المياه والمرافق الصحية في المدارس تعتبر أساسية في تعزيز سلوك النظافة الصحية الجيدة ‏ورفاه الأطفال، لا تزال توجد في مدارس كثيرة مرافق رديئة للغاية، وتتباين أحوال المرافق الصحية من ‏غير ملائمة وغير كافية، إلى عدم وجود مراحيض ومياه مأمونة للشرب والنظافة الصحية على الإطلاق،‏ ويسهم هذا الوضع في ارتفاع معدلات تغيب وتسرب الفتيات، وتؤثر العوامل المتصلة بالمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية على حق الأطفال في التعلم في نواح ‏كثيرة، وفي الأجواء التي تكون فيها الأحوال الصحية سيئة لا يستطيع الأطفال تحقيق أحلامهم في التعلم، ‏فعلى سبيل المثال يصاب 400 مليون طفل في سن الدراسة سنوياً بالديدان المعوية والذين تظهر البحوث ‏أنها تستنزف قدراتهم على التعلم، وتركز اليونيسف وشركاؤها على الموارد من أجل تحسين صحة الأطفال في سن الدراسة، وتبرز الحاجة ‏إلى تشجيع المحافظة على النظافة الشخصية، وتطوير المهارات الحياتية والمياه والمرافق الصحية ومرافق ‏لغسل الأيدي في المدارس.‏

فوائد متعددة ‏‎
وتمضي منظمة الصحة العالمية في تبيان الفوائد التي يمكن الحصول عليها من توفر المرافق الصحية الجيدة بالمدارس، وتشير إلى أن المدارس تكون عاملاً رئيسياً للبدء في التغيير عن طريق المساعدة في تطوير مهارات الصحة والنظافة لدى الصغار، وأنه غالباً ما يكون الأطفال حريصين على التعلم ومستعدين لاستيعاب أفكار جديدة، ‏وقد يؤدي السلوك الجديد الذي يتعلمه الأطفال في المدرسة المتعلق بالنظافة الصحية إلى اعتماد عادات ‏إيجابية مدى الحياة، وقد يكون المدرسون نماذج يحتذى بهم وإن سلوك النظافة الصحية الجديد في ‏المدرسة قد يؤدي إلى عادات إيجابية مدى الحياة لا للأطفال فقط، بل كذلك داخل المجتمع المحلي، ‏ويستطيع أطفال المدارس أن يؤثروا على سلوك أفراد أسرهم والمجتمع عامة.

مطلوبات مستحيلة
تشارك ‏اليونيسف في العديد من البرامج المختلفة الرامية إلى تحسين المرافق الصحية، وتشجيع النظافة الصحية ‏في المدارس، مما أدى إلى وضع دليل للتثقيف بشأن المرافق الصحية والنظافة الصحية، وتعد المرافق ‏الصحية جزءاً لا يتجزأ من الجهود التي تبذلها اليونيسف لترقية البيئة المدرسية، ولكن المنظمة العالمية تضع اشتراطات مطلوب توفرها في المرافق الصحية للمدارس، وتنفيذ هذه المطلوبات رغم موضوعيتها يعد ضرباً من الخيال، لأن الكثير من المدارس في السودان بلا مرافق صحية أو أن عددها متواضع أو أنها “بلدية”، وتشدد المنظمة العالمية على أن يكون عدد المراحيض (دورات المياه) مناسباً لعدد الطلبة بالمدرسة، كما يجب الاهتمام بنظافتها وتطهيرها وتهويتها وأن تكون إضاءتها جيدة ويجب أن تكون موزعة بطريقة مناسبة داخل المدرسة مع توفير وسائل الاغتسال والتجفيف المناسب، ويجب التخلص من مياه الصرف والفضلات والقمامة بطريقة صحية تمنع انتشار الأمراض والعدوى، علاوة على التأكد من نظافة دورات المياه وتوفير مراوح شفط الهواء بها ومراعاة صلاحية صنابير المياه والمغاسل وأنابيب الصرف، ويبدو أن المنظمة العالمية مضت بعيداً في اشتراطات تعد ليست خيالية بل مستحيلة وذلك حينما شددت على ضرورة توفير أحواض للغسيل بحيث تتناسب أعدادها مع عدد التلاميذ بالمدارس وأن يكون ارتفاعها ملائماً لأعمار الصغار وأن يتم تزويدها بالمياه والصابون والمناشف الورقية.

اعترافات ونداءات
من قبل كشف تقرير لجنة خدمات التعليم والصحة بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم إبان زيارته للمرافق التعليمية بمحليات الولاية تردي البيئة المدرسية، وهدفت الزيارة الى الوقوف على واقع المرافق التعليمية من حيث البنية التحتية والبيئة المدرسية والمدارس، وأوضحت اللجنة أن المدارس التي لا توجد بها دورات مياه تبلغ 321 مدرسة، وهذا يعني أن عشرات الآلاف من التلاميذ بالعاصمة معرضون للإصابة بأمراض الكلى وذلك لأنه ما من خيار أمامهم غير تجنب تفريغ مثاناتهم أثناء ساعات اليوم الدراسي أو قضاء حاجتهم خارج أسوار المدرسة.

الإجلاس والكتاب المدرسي
أما على صعيد الإجلاس والكتاب المدرسي وجاهزية الفصول فقد كشفت ذات الجولة التي سجلتها “الصيحة” أن تلاميذ بمدارس كثيرة خاصة بالولايات الغربية والشرقية عليهم ألا يحلموا بواقع جديد وعام دراسي أفضل من سابقه، وهذا ما يشير إليه مدير مدرسة طرفية بأم درمان يؤكد أنه ظل يسعى طوال أيام الإجازة الصيفية طالباً من إدارة التعليم إخضاع مدرسته للصيانة والتأهيل، وذلك لأن جدرانها تصدعت وتعاني نقصاً حاداً في الإجلاس، وكشف عن أنه لم يجد استجابة وليس أمامه غير استقبال العام الدراسي بوضع المدرسة الراهن، أما في ولايات دارفور وكردفان، فقد أكدت إحصاءات أن 66% من التلاميذ يتلقون تعليمهم وهم جلوس على الأرض وأن النقص في المعلمين تجاوز 50%.

وذات الواقع موجود بالجزيرة كما أكده معلم يدعى عثمان فقد قال إنهم توقعوا في العام الدراسي الجديد أن يتم النقص في المعلمين، ولكن هذا لم يحدث، مبيناً أنهم سبعة معلمين لمدرسة أساس مختلطة وأنه لولا المتعاونون لتوقفوا عن العمل بداعي ضغطه المتواصل.

تدهور طبيعي
الخبير التربوي حسين خليفة يرى أن تدهور العملية التربوية ناتج من تدهور البيئة المدرسية التي يصفها بالطاردة، وأردف: الكل يعرف ذلك رسميين وشعبيين إذ لا يتوفر الكتاب المدرسي ولا المعلم المؤهل، لذلك لابد من تكوين لجنة من خبراء التربية ورجال المجتمع لدراسة حالة البيئة المدرسية في المدارس على أن تقوم اللجنة بوضع الدراسات العملية بعد الزيارة الميدانية للمدارس وفي الوقت نفسه لابد للدولة أن تلتفت لتحسين الحالة المتدنية التي وصلت إليها المدارس، وأن تضع ميزانية للتعليم بدلاً من نسبة الـ 2% المخصصة حالياً، فمثلاً دولة السويد تخصص 40% من الميزانية العامة للتعليم، لكن على العموم لازالت معينات ومتطلبات وتردي بيئة المدرسة ماثلة أمام الجميع.

تحقيق: صديق رمضان
صحيفة الصيحة