الطاهر ساتي

حرب القبائل ..!!


:: رغم أنف إتفاقية السلام، وبالتزامن مع إحتفالهم بذكرى إستقلال بلادهم، إشتباك لحد الموت والجرح ما بين قوات الرئيس ونائب الرئيس في قلب العاصمة.. فالسلاح في جنوب السودان لا يعترف بالإتفاقيات.. وسلطة إستخدام السلاح بيد حامله وليس بيد الحكومة و أوامر سادتها، رئيساً كان أو نائباً.. والصراع هناك – مدنياً كان أو عسكرياً – لم يعد صراعاً سياسياً كما الحال بالسودان، آي هناك فرق (كبير جداً)..!!

:: والشاهد أن أشرس الحروب في تاريخ البشرية هي (القبلية والعرقية)..ولساسة إفريقيا تاريخ أسود في تحويل الأزمات السياسية إلى (مجازر قبلية)..والإبادة الجماعية التي تعرضت لها التوتسي – في أبريل 1994 – من قبل الهوتو، والتي هزت ضمير العالم بعد مقتل ما يقارب الثمانمائة الف نسمة، لن تكون آخر المجازر – على أساس العرق والقبيلة – بافريقيا، ما لم يفرض المجتمع الدولي السلام في دولة جنوب السودان بقوة السلاح، وليس بالإتفاقيات التي لاتبارح آثارها أمكنة التفاوض والتوقيع ..فالأزمة في الجنوب كانت سياسية، ولكن – بسوء إدارة أطرافها – لم تعد سياسية .. !!

:: والصراع بين سلفا كير ورياك مشار صراع تاريخي وبعمر الحركة الشعبية..سلفا ظل وفياً لقرنق، ولم يتمرد عليه طوال سنوات قيادته لجيش الحركة، ولم يكن يتدخل في البرنامج السياسي للحركة، بقدرما كان متفرغاً للميدان بولاء صادق .. ولكن مشار لم يكن كذلك، إذ ظل يسبب المتاعب لقائده قرنق لحد الغدر به بالتوقيع على اتفاقية الخرطوم للسلام.. وهي الاتفاقية التي كسرت شوكة قوات الحركة بمناطق النوير..لاتزال قادة الجيش بالحركة الشعبية تعيد ذكرى تلك الأيام بلسان حال قائل : ( غدر، أو ظلم ذوي القربى أشدَ مرارة)..!!

:: ومع ذلك، جاءت الموازين القبلية بمشار في منصب الرجل الثالث بالحركة الشعبية بعد تمرده على إتفاقية الخرطوم..وبذات الموازين صار الرجل الثاني في حكومة الجنوب بعد وفاة قرنق..وعليه، ولاء جيش الجنوب للرئيس سلفاكير مرده تاريخ مشار وأطماعه السياسية التي تخطت – في إحدى مراحلها – حتى مشروع زعيم الحركة وقائدها التاريخي عبر تلك الإتفاقية التي لن ينساها جيش الحركة..ولذلك، لم تكن مدهشة بذرة الأزمة السياسية التي غرستها أطماع مشار بإعلان الترشح للرئاسة الجنوب في الانتخابات القادمة، متجاوزاً بهذا الإعلان مؤسسات الحركة وأجهزتها التي لم تقرر أمر الرئاسة..!!

:: وتاريخياً، معروف عدم إلتزام مشار بلوائح الحركة ومؤسساتها، ثم تجاوز المؤسسات بتكثيف الهجوم على رئيسه سلفا ثم بالإعلان عن رغبته في الترشح لمنصب الرئيس..فعل هذا وهو في في منصب الرجل الثاني بالدولة والحزب.. وهذا إمتداد لعدم الإلتزام بالمؤسسية ، و هنا كانت بذرة الأزمة الراهنة.. وللأسف، لم يُدر الرئيس سلفا الأزمة السياسية التي أحدثها مشار بالحكمة التي عُرف بها، بل تطرف في الغضب لحد عزله – وآخرين – ليس من منصاب الدولة فقط، فهذا من سلطاته الدستورية، ولكن من مواقع تنظيمية بالحركة، وهذا يتناقض مع روح الديمقراطية التي جاءت بالمعزولين إلى تلك المناصب التنظيمية..!!

:: نعم، كما أخطا مشار بلي عنق المؤسسية وهو في منصب نائب الرئيس، أخطأ الرئيس سلفا أيضاً بلي عنق الديمقراطية بقرار عزل مشار واتباعه بقرارات ( فردية)..وهنا، رجع مشار إلى (عادته القديمة)، وهي الإحتماء بالقبيلة – والقبلية – لتنفيذ أجندته السياسية، وتحويل الصراع من أزمة سياسية إلى ( حرب أهلية)، في الميدان والنفوس ..وما لم يفرض المجتمع الدولي السلام بالقوة، وما لم تتجاوز النخب والأحزاب محطة سلفا ومشار وكل أطراف (الغبائن القبلية)، فلن يصبح جنوب السودان ( دولة )..!!