مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : الـ”59″ حاوية مرة أخرى


قبل خمسة أشهر تناقلت وسائل الإعلام فضيحة الـ”59″ حاوية من النفايات الإلكترونية المسرطنة مجهولة الهوية التي تم ضبطها بميناء “سلوم” بولاية البحر الأحمر، ولعل القارئ الكريم اطلع على الخبر الذي جاء فيه يومذاك أن السلطات ضبطت “59” حاوية من النفايات الطبية، وأجهزة حاسوب غير صالحة للاستعمال جاءت “هدية للسودان” من دولة مجهولة، ومعدات لإحدى الشركات العاملة في مجال النفط، وقالت رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان الدكتورة حياة الماحي وقتها، إن السلطات المعنية لم تفعل شيئاً حتى الآن إزاء هذا الأمر، وإن الجهة التي أرسلت هذه “المنحة” غير معلومة..
يومها قلت معلقا على الحادثة: إن الشعب السوداني أوعى وأذكى من المسؤولين الذين يسوسونه ويتحدثون باسمه ويقررون في أمره بل أحكم منهم وأفطن ولن تنطلي عليه حيلة ابدا، لذلك هو يدرك أن الحكومة هي المتهم الأول في هذه القضية، فهي أو الذي يمثلها في هذا الموقف سواء أكان وزيرا أو سفيراً أو مديراً، هي المتهم لكونها التي “شحدت” أو تسلمت “المنحة” القاتلة، ويا ترى من يصدق أن دولة ما تقوم بإهداء معدات طبية، وأجهزة حاسوب، لدولة أخرى دون أن تعرف الدولة صاحبة اليد السفلى الدولة التي اهدت لها؟؟!! من يعقل ذلك ومن يستوعب أو يصدق هذا الحديث الساذج؟!! .
قبل خمسة أشهر سمعنا بأن لجنة تشكلت لمعرفة ملابسات الحادثة، لكن كالعادة يتم تشكيل لجان التحقيق، ثم لا أحد يسمع عنها شيئا ولا عن أي نتيجة خرجت بها اللهم إلا في حالة “التبرئة”.. الآن بعد خمسة أشهر نسأل عن نتيجة التحقيق، وماذا عن حاويات النفايات الـ59 وهل عرفت اللجنة الدولة “المانحة” أو بالأحرى الدولة التي أرادت أن تتخلص من نفاياتها في هذا “المكب”.. نخشى أن نصبح “سلة نفايات العالم”..
ثمة أسئلة لا تزال حائرة: هل تبرعت هذه الدولة للسودان بهذه المعدات “البايظة” وطلبت من المسؤول إياه حجب اسمها “صدقة خفية”؟!!.. فكيف لهم أن يقولوا إن هذه المعدات جاءت هدية من جهة غير معلومة؟
لعل قارئ (الصيحة) المحترم يعرف أكثر من غيره كم أدمنا الكتابة عن فوضى الاستيراد، وما جلبته من مضار ومتاعب، ولكن في كل مرة كانت “الكلاب تنبح والجمال ماشة” ويقيننا لو أننا نادينا أحياء فقد أسمعنا، ولكن الذي ننادي في أذنيه وقر.
بحجة أنها ملتزمة بسياسة تحرير السوق، تركت الحكومة حبل الاستيراد على غاربه لكل من هب ودب ليجلب ما يشاء من البضائع الفاسدة، والأدوية “المضروبة” والمواد الغذائية منتهية الصلاحية التي هدت قوانا وذهبت بعافيتنا وجلبت لنا شرا وبيلا، وتسابق “الموردون” في ميدان جلب “النفايات” من دولة معروفة ومشهورة بهذه النفايات الإلكترونية المسرطنة، فغرقت أسواقنا بهذه الأوساخ القاتلة، فأصبحوا يستجلبوا لنا الأمراض من هذه الدولة “الصديقة” ويسمونها تجاوزاً استيراد.
هذه الحادثة لا تفسير لها إلا واحد، وهو أن دولة ما أرادت أن تتخلص من نفاياتها الإلكترونية، فدفعت بها إلى هذه البلاد الهاملة التي لا قيمة فيها لبشر، وفي هذه الحالة يظهر دور “الشطار” و”السماسرة” الذين يقبضون ثمن كل شيء، ولعل هذا ما يفسر حالة المبني للمجهول والتعتيم، وعدم اتخاذ إجراء في مواجهة ما نعتبره حتى هذه اللحظة “جريمة”.
إذن لابد من التحقيق، حتى لا تلحق حاويات المخدرات، ولابد من إعلان الدولة المجهولة، والمسؤولين الذين “تعاملوا”.. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة :
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.