الصادق الرزيقي

انتهى الدرس يا…!


> على هامش التاريخ والزمن تقبع القوى العلمانية العربية في ظلامها ودياجير تخلفها، مطأطأة الرأس ترقص على إيقاع الموت والسأم والفراغ، فهي لم تتعلم غير إعلاء الانتماء الضيق ونفث سموم الأحقاد، وليت هذه النخب السياسية العربية المتعلمنة تتعلم من القوى الوطنية العلمانية التركية، التي نزلت الشارع مع كل جماهير الشعب التركي، إستجابة لدعوة الرئيس رجب طيب ارودغان ، للدفاع عن الحرية والديمقراطية والشرعية ، لم تتقوقع داخل الانتماءات الفكرية والسياسية الضيقة فقد كان الوطن عندها أغلى من كل انتماء والخيار الديمقراطي أقوى من أي مكسب ومطمع سياسي. > حكومة حزب العدالة والتنمية والرئيس اردوغان بالنسبة للقوى العلمانية التركية، خصم سياسي عنيد يتمنون هزيمته وذهابه في أية لحظة، لكن عن طريق صناديق الاقتراع والتنافس الحر، وليس عن طريق فوهات البنادق والمدافع وقصف الطائرات وهدير الدبابات، فالديمقراطية التركية لم تترك لتسحق تحت المجنزرات والمدرعات التي حاولت في ليلة كالحة ظلماء حالكة تغيير مسار التاريخ الذي خطه الشعب التركي بنضالاته وثقته في نفسه وقيادته.. > تلك تجارة خسارة التي يتاجر فيها التيار العلماني العربي، الذي كان مبتهجاً ساعة سماع أن هناك انقلاباً يجري تنفيذه في تركيا العظيمة، وفجأة وجدنا العلمانيين العرب ومدعي النضال والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والمتشدقين بقيم لا يعرفون حقيقتها، هم الاصوات الاعلى والابواق الأكثر ضجيجاً يهللون ويباركون الانقلاب الذي لم يقو على الصمود لساعات قليلة حتي اندحر وتلاشى كما خيط رفيع من الدخان، وهذه دائماً هي محنة النخب العلمانية العربية التي تغوص حتى قدميها في وحل متسخ من الخيبات والمواقف المخزية، فتكابر وتخون ما تقوله وما ترفعه من شعارات تخادع بها الجماهير العربية وهي تخادع نفسها وتخون ذاتها وتخسر مواقفها وقيمتها الحقيقية وأوزانها. > لقد أعطت تركيا المسلمة وموئل الخلافة الإسلامية في آخر نسخ لها في تاريخنا، درساً بليغاً لنخبنا العربية المسلوبة الارادة، فقد راهنت تركيا الجديدة المتمسكة بأصالتها وتاريخها على مستقبلها وكينونتها ومسارها الديمقراطي وقدرتها على إنتاج ذاتها من ركام التجربة التغريبية الفاشلة التي قادها أتاتورك من ما يقارب المائة عام، فعندما نهضت بالأمس لم تنهض القوى الوطنية الإسلامية وحدها، كل الشعب اصطف في صف واحد ضد الانقلاب الجبان حتى رده ودحره ، لم تكن تركيا تحتاج الى مزايدات ولا الى مساومات، فالموقف الواعي كان واحداً والدم التركي كان واحداً والهدف لم يحد عنه احد .. > الشعوب دائماً بارادتها الصلدة والصلبة اقوى من كل الجيوش وأعتى من كل ترسانة تم تجهيزها لقمع الجماهير، فأمضى سلاح هو سلاح الشعب الاعزل ، وتلك شفرة فكها الشعب التركي وهو يواجه في بسالة الدبابات في الشوارع وقوات الانقلابيين في مشهد نادر لا مثيل له في التاريخ الحديث، فلولا إيمان هذه الجماهير بقيادتها وصدق قيادتها معها، والقدوة التي جسدتها بينها، لكانت الدولة التركية اليوم بين مخالب العسكر، لكن ارادة الجماهير كانت الغالبة ونداء القائد الصادق والرائد الذي لا يكذب اهله كانت المنتصرة .. > الدرس التركي بليغ الي درجة انه وحده يكفي لتوجيه بوصلة العالم الى الاتجاه الصحيح، حاول الانقلابيون فرض سلطتهم وارادتهم بقوة السلاح والدبابات، وعمل الشعب بوعيه وسلطته وارادته وعزيمته الجبارة على ارجاعهم الى ثكناتهم والقبض عليهم باسلحتهم التي تدججوا بها، وطردهم من كل المرافق والمنشآت التي احتلوها، وافشل المؤامرة الدنيئة التي كانت تستهدف تركيا وتماسكها وتاريخها وهويتها وحاضرها الذي صنعته بمكابدات ونضالات طويلة وتصميم لا يفتر. > ظن البعض وخاصة العلمانيين العرب، ان تركيا المسلمة ستعود الى غياهب الزمن، وستكبل قدماها وتصفد يداها ويكمم فمها وتعصب عيناها مرة اخرى لتقبع في الظلام عقوداً طويلة وربما الى الابد، وظنوها ستموت وتقبر تحت الرماد، ولم يكن زعيق نهيق كثير من القنوات العربية ليلة الانقلاب حتى فجر اليوم التالي، الا حالة من حالات الجنون والاحباط التي اصابت النخب العلمانية العربية وهي ترى احلامها الغرقى في قعر الخيبة معفرة برماد الاحباط . > لو ادركت نخبنا العلمانية العربية عشر ما ادركته الاحزاب والقوى الوطنية والعلمانية التركية، ان طريق الحرية كما قال اسماعيل الازهري، نور ونار، من اراد نورها فليصطل بنارها، وليس للحرية لون ولا جنس ولا طائفة ولا حزب هي كل لا يتجزأ، والديمقراطية قيمة في الأساس، وليست طلاءً على وجه حزب وتنظيم وكل أفاك أشر!!