تحقيقات وتقارير

صاحب مصنع من موقع الهوية المخفية يصف قرار إيقاف توزيع المواد البترولية للقطاع الصناعي بأنه “كارثي” بينما يقرأه محلل اقتصادي بارز من وجهة “إيجابية” “جاز” مع الكراهية


قبل أن تضج المواقع الإسفيرية بنبأ الانقلاب العسكري في تركيا مساء الأول من أمس الجمعة ظهر قرار صادر من وزارة النفط والغاز معنون إلى مديري شركات التوزيع النفطية يقضي بإيقاف توزيع المواد البترولية للقطاع الصناعي، على أن يقوم الأخير بتأمين حاجته من المواد البترولية عبر القطاع الخاص؛ بالتنسيق مع شركات التوزيع، اعتباراً من يوم أمس الأول المنتصف من شهر يوليو، ويتذيل القرار توقيع مدير الإدارة العامة لإمدادات وتجارة النفط بالإنابة. القرار ليس جديداً على الأوساط الاقتصادية ففي الشهر الماضي ظهر قرار موازٍ بتحرير الفيرنس والجازولين للقطاع الصناعي، والذي كان له صداه في الأوساط الاقتصادية ما بين مؤيد ومعارض له وكل يدلي بحجته.

“الدولة تخرج”
حسناً؛ في ديسمبر الماضي، وفي ثنايا حوار أجرته صحيفة (اليوم التالي) مع وزير الصناعة د. محمد يوسف، تموضع السؤال الذي طرحناه عليه؛ ما إذا كان هنالك إحساس بأن الدولة تهمل القطاع الصناعي؟! إجابة الوزير جاءت أن التوجه العام في الدولة كان أن الصناعة قطاعان؛ حكومي وخاص، ولكن بعد إعلان سياسة التحرير، فإن الدولة تخرج من التجارة والإنتاج، وتكتفي بسن السياسات، لذا فإن أغلب المصانع الحكومية تم بيعها للقطاع الخاص الذي له قدرة أكبر من الحكومة على إدارة التجارة والصناعة. معلوم أن الدولة قدمت دعماً للقطاع، مثلاً الكهرباء التي تباع بسعر أقل من التكلفة، وأُنشأت بنك التنمية الصناعي حتى يقدم تمويلاً للصناعة، وسنت سياسات إعفاءات جمركية للماكينات والمواد الخام، هذا كله دعم من الدولة، بيد أنه ليس كافياً فالقطاع الصناعي يحتاج إلى أكثر من ذلك. وقد يتبادر للأذهان بأن الدولة تعمل على تحرير القطاع الصناعي من القبضة الحكومية في ظل قرارها بتحرير المحروقات للقطاع.

أصوات معارضة وتحذيرات
ويجدر القول أن حساسية كبيرة يبديها الرأي العام تجاه مفردتي (التحرير) و(رفع الدعم)، وتنعكس بصورة فورية على المعادلات الاقتصادية؛ خاصة تلك المتعلقة بالتضخم والأسعار والركود، لذا فإن ما صحب القرار الأول، الذي أطلق الشهر الماضي، كان له من الأصوات المعارضة والتحذيرات التي بثها اتحاد الغرف الصناعية وقتها، إذ حذر من القرار؛ كونه سيعمل على مضاعفة تكلفة المنتجات الصناعية التي تعاني في الأصل من ارتفاع تكلفتها، ما يضعف من فرص منافستها في الأسواق العالمية. وغير بعيد عن مسار الأحداث فقد عمل الاتحاد على تشكيل لجنة لدراسة تداعيات القرار على القطاع الصناعي بيد أن نتائجها لم تظهر بعد. على كل، فإن بعض أعضاء الاتحاد كانوا قد أعربوا وقتها عن أملهم في أن تتراجع الحكومة ووزارة المالية عن القرار، لما له من تأثيرات سلبية على القطاع الصناعي؛ سيما وأن القرار سيعمل على رفع سعر اللتر من الجازولين من 3 الى 6 جنيهات، خلافاً لتداعياته السالبة على أسواق العملات وسعر الصرف حال دخوله حيز التنفيذ.

“مردوده إيجابي”
في الجانب الآخر ترى وزارة الصناعة أن للقرار مردوده الإيجابي على القطاع الصناعي، وتؤكد على لسان د. عبدو داود، الذي صرح لوكالة السودان للأنباء وقتها، بأن القرار يمكن القطاع الصناعي من استيراد حاجته من المحروقات بالكميات التي يحتاجها، ودون التدخل من الحكومة فيها؛ من خلال الاستيراد عبر القطاع الخاص.. إذن وبظهور القرار الثاني، والذي يشكل في تحليل ما الشق التنفيذي لقرار الشهر الماضي، يكون على القطاع الصناعي تأمين حاجته من المواد البترولية دون الاعتماد على الجهات الحكومية.

النفط تبريء ساحتها
وبالرغم من تأثير القرار الظاهر على القطاع إلا أن وزارة النفط برأت ساحتها من وجود قرار جديد، وأوضحت مصادر مطلعة بأن القرار الذي صدر أمس الأول ليس بجديد وأنه منشور تنفيذي يتبع للقرار الأول والذي صدر بالشهر الماضي في ظل أن الفيرنس في الأصل كان محرراً منذ شهر يناير الماضي، وأن الجازولين فقط للقطاع الصناعي هو الذي أضيف مؤخراً. وكشفت المصادر لـ(اليوم التالي) أن القرار في الأصل جاء وفقاً للاجتماع الذي تم ما بين وزارة المالية ووزارة النفط، وبمشاورة لوزارة الصناعة، بعد أن تم تحرير الفيرنس، وهو الذي تعتمد عليه الصناعات الكبيرة في عملية التصنيع خاصة صناعات السكر والأسمنت مع الوضع في الاعتبار ضيق المواعين التخزينية له، الأمر الذي حدا بالشركات للتباطؤ في استيراده؛ خلا شركة واحدة، وعليه فقد كانت وجهة أصحاب المصانع نحو الجازولين خياراً بدهياً، وهو الذي يستورد لأغراض النقل والزراعة فقط، غير أن بعض أصحاب المصلحة اتجهوا لبيع الجازولين لمن يصلون معهم إلى اتفاقات غير معلنة، ما أدى إلى تقليل الكميات المخصصة للنقل، ودفع أولي الأمر للاتجاه لتحرير سلعة الجازولين للصناعة.

تخوفات واعتراضات
ودون الخوض في مزيد من التفاصيل، يمكن القول بلا تعقيد، أن هناك تخوفات عديدة يبديها أصحاب المصانع من القرار.. ويصف صاحب مصنع – فضل حجب هويته- القرار بـ”الكارثي”، وأشار إلى أن القطاع الصناعي في السودان يعاني من مشكلات عديدة معترضًا خلال إفادته التي دونها لصالح (اليوم التالي) بأن هذا القرار يأتي ليقضي على ما تبقى من القطاع، متوقعًا أن تشهد الفترة القادمة إغلاق مزيد من المصانع جراء هذا القرار داعيًا الدولة والجهات المختصة لإعادة النظر في مثل هذه القرارات التي تعيق أداء القطاعات الانتاجية لافتاً إلى أن مثل هذه القرارات لن تمكن الدولة من تفيذ خططها الرامية لدعم القطاعات الإنتاجية.

“في الوقت المناسب
بالنسبة لدكتور هيثم محمد فتحي، المحلل الاقتصادي، فإنه يرى في القرار إيجابية من حيث توفير حاجة المستهلك للقطاعات الإنتاجية وإطلاق طاقات القطاع الخاص ليتمكن من توفير السلع وتوزيعها دون قيود وعدّ أن خروج الحكومة من هذه السلعة جاء في الوقت المناسب في ظل هبوط الأسعار عالمياً، وقال فتحي لـ(اليوم التالي) إن قرار تحرير المحروقات سيكون له مردود جيد للاستغلال الأمثل للطاقات الإنتاجية والعمل بوتيرة مرتفعة لزيادة الإنتاج والإنتاجية للسلع الصناعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي والولوج للصادر، داعياً إلى إعطاء القطاع الخاص خصوصية لأخذ حصته من الوقود تأتي ضمن الحصة القومية خاصة في ظل أن تحرير الفيرنس والجازولين جاء في وقت متزامن مع هبوط الأسعار عالمياً مما يمكن المصانع من الإفادة من ذلك.

الخرطوم- نازك شمام
صحيفة اليوم التالي