تحقيقات وتقارير

أوائل الشهادة السودانية.. تفوق أكاديمي وعدم تفاعل مجتمعي.. رؤية خبراء تربويين


النجاح أينما حل يفرح الأهل والعشيرة، ويدفع صاحبه لإحراز المزيد من النجاحات والتفوق في الحياة العلمية والعملية، ومنذ أن دخل التعليم بلادنا وهناك متفوقون في بلادي، لكنهم لم يجدوا (شو) إعلامياً وحفاوة واهتماماً ورعاية مثل ما لاقوه متفوقو الشهادة السودانية هذا العام (2016)، لا نريد في هذا التقرير معرفة أسباب هذا الاهتمام الذي فاق العادة وانتهى بتكريم رئيس الجمهورية.

فقط حاولنا الإجابة على تساؤلات جاءت في مقال لرئيس تحرير صحيفة الميدان الأستاذة مديحة عبدالله نقلته صحيفة الراكوبة الإلكترونية في (2014)م، جاء فيه “أصبح التفوق الأكاديمي يبعث على الفرح والزهو الفردي والأسري، لكنه في كثير من الأحيان لا يقود لتحقيق الأحلام، كم من متفوق ومتفوقة اصطدموا بواقع متحيز ضد النجاح وكم منهم سرق الفقر أو الحرب أو تسلط الأسرة أحلامهم فى إختيار نوع الدراسة أو التخصص؟ وكم منهم تسنى لهم تحقيق أحلامهم؟ وكم منهم وجد الأبواب مفتوحة لإضافة الجديد وتقديم المفيد لذواتهم وأسرهم وبلدهم؟ وهل التفوق الأكاديمي دليل على القدرة الذهنية الفائقة وهل المناهج الحالية والمدرسة بعالمها المحدود مقياس على النجاح أو الفشل؟”.

الرغبة أولاً
تقول الاختصاصية النفسية سلمى جمال بشكل عام يعتمد التفوق الأكاديمي أو المهني أو الحرفي على رغبة الشخص ومستوى الدافعية والطموح، ونفت وجود حظوظ في الموضوع، مؤكدة أن هناك فروقات في نسب الذكاء من شخص لآخر والثقة المتوافرة في النفس فضلاً عن أن دعم الأسرة إحدى ركائز التفوق. وقالت: “متى ما كانت الأسرة متفهمة لقدرات ابنها الممتحن ورغبته كلما كانت معطيات نجاحه مرتفعة لأن المهم في الأساس والقائد إلى النجاح المهني اختيار الشخص لما يرغب بدراسته ومعرفته”. وأضافت: “اختيار كلية بحسب رغبة والديه لها مآلات سالبة في كثير من الأحيان، وإذا استطاع التفوق فيها أكاديمياً حتماً سيخفق في حياته العملية وإن تمكن من الاستمرار”.

تفوق وذكاء
أشارت سلمى إلى أهمية التحفيز بالنسبة للطلاب، لكنها قالت يجب أن يكون قبل الامتحان، وقتها سيبذل الطالب قصارى جهده لإحراز أفضل النتائج، منبهة إلى ضرورة أن يكون على مراحل حتى يزيد من حماسه، مشددة على ضرورة ابتعاد الأسر من التحفيز المبالغ فيه لأن يبعد عن المنطق والفهم السليم غير أن ضرره أكثر من نفعه، ولاسيما أنه طفل لم يتعد الـ (18) من عمره بعد، أما ذاك الذي يقدم بعد النتيجة لا يعد كونه تحصيل حاصل، وفي أفضل الفروض يكون حافزاً للقادمين. وختمت الاختصاصية النفسية حديثها مؤكدة أن تفوق الشخص أكاديمياً لا يعني بالضرورة تفوقه في شتى مناحي الحياة لأن مقايس الذكاء لها اختبارات تحدده وكونه متفوقاً أكاديمياً هذا لا يعني على الإطلاق أنه ذكي، وكم من شخص ناجح أكاديمياً فشل عملياً أو كان له قصر نظر في تقييم الأمور. وتابعت: “على سبيل المثال الميكانيكي يمكن أن يكون شخصاً فشل أكاديمياً لكنه يمتلك ذكاءً عملياً يمكنه من النجاح”.

ليس مقياساً
ويرى الخبير التربوي النذير محمد أحمد أن الامتحانات سواء أكانت شهادة سودانية أو مرحلة أساس ليست مقياساً على نجاح أو فشل الطالب، وذلك لما تستصحبه من عوامل يمكنها التأثير على تحصيله الأكاديمي. وقال مفسراً: “هناك عوامل نفسية وأخرى أسرية تؤثر في الطالب ويكون مردودها سالباً في المحصلة النهائية، فضلاً عن أن الخوف والرهبة والضغوط النفسية المصاحبة إبان فترة الامتحان نفسه، مشيراً للجو المهيب الذي يفرضه الموقف من حراسة شرطية وتأمين بالغ للامتحانات وانتشار المراقبة ودقتها”.

المعلم قبل المنهج
وأكد النذير أن المنهج الذي يواكب التطورات والمتغيرات هو الأفضل على الإطلاق ويساعد على تقدم الشعوب. وقال: “لكن يظل المعلم العمود الفقري للعملية التعلمية وبدونه لا يستقيم الأمر مهما تطورت المناهج وتقدمت، فهو موصل المعلومة الرئيس، وتغيير المنهج لن يجدي نفعا إذا لم يكن هناك معلم مدرب ومؤهل وقبل كل ذلك مرتاح مادياً”. وتابع: “العائد المادي للمعلم هو سبب رئيس في تدهور مدارسنا الحكومية مقابل الخاصة، فإذا تعاون أولياء الأمور لإحياء مدارس الأحياء لكان أفضل لأبنائنا الذين ندفع لهم ملايين في مدارس خاصة وتبعد كثيراً من المنزل، وتساءل لماذا لا ندعم بهذه المبالغ الطائلة مدارس الحي ونحييها من جديد، فذالك المعلم الذي يدرس في المدرسة الخاصة هو ذاته الذي قوم بنفس الدور في المدارس الحكومية، لكنه هنا يؤدي دوره بلا مبالاة لأن عائدها ضعيف، فلماذا يضيع وقته سدى؟

غياب الفاعلية
بالنسبة لمدربة تنمية موارد بشرية وتطوير مهني وإداري انتصار كمال الدين فإن الحكاية ليست تفوقاً أكاديمياً فقط. وقالت: “هناك كثير من المتفوقين غابت أسماؤهم ولم يستطيعوا إبرازها حتى عبر المؤسسات التي يعملون فيها، وتساءلت: فما فائدة التفوق وهو عضو خامل في المجتمع وليس لديه مساهمات فاعلة”. ومضت في حديثها: “الأمر يحتاج أكثر من كونه متفوقاً أكاديمياً، فكثيراً ما نجد أولئك المتفوقين منغلقين على أنفسهم ولا يحبون المشاركة في العمل الجماعي، وغير قادرين على التفاعل مجتمعياً، مؤكدة أن المسألة تحتاج لممارسة ما تعلمه وفهمه في حياته العلمية والاجتماعية، أكثر من حفظها وكتابتها على ورق. وقالت انتصار: “نحن لسنا في حوجة لشهادات معلقة بقدر حاجتنا لمخرجات تعليمية ونحتاج أيضاً لأن ينمي هذا المتفوق مهاراته الأخرى حتى يتمكن من خدمة مجتمعه الصغير والكبير، نحتفي بهم اليوم وبعد ذلك يصبح اسماً أرشيفياً وشو للمجال الأكاديمي تبرزه المناسبات، لكنهم يختفوان كشخصيات مؤثرة تلعب دوراً فاعلاً في المجتمع”. وأضافت: “من المهم أيضاً اختيار الطالب للمساق الذي يريد والكلية التي يرغب في دراستها لأنها مهمة في مواصلة نجاحه وتفاعله مع المجتمع من حوله”.

أكاديميات فقط
وتابعت: “أغلب المتفوقين عند إكمال الجامعة يبدأ الواحد منهم على الفور في تحضير الماجستير والدكتوراه بعد أن يحجز مكانه أستاذاً في الجامعة، لذلك نجد أننا نستخدم إعادة استهلاك الأكاديميات ولا نستخدم إعادة الإنتاج، وهذه أكبر مشكلاتنا”. ولفتت انتصار إلى أننا في السودان لدينا أسوأ رعاية للموهوبين والمبدعين لذلك هم مختفون، وبعثت رسالة للمتفوقين بأن لابد من المحاولة واكتشاف أنفسهم ومقدراتهم وتنمية مهاراتهم الأخرى حتى يتمكنوا من إدارة معارفهم فيصبحوا فاعلين في المجتمع، ودعت الجهات الرسمية للاهتمام أكثر بهذه الفئة حتى يخرج لنا عالم وباحث ومخترع.

الخرطوم – زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي