مزمل ابو القاسم

صحافة السودان وانقلاب تركيا


* نظرة سريعة لمحتوى الصحافة السودانية في اليوم التالي للانقلاب الفاشل الذي حدث في تركيا تؤكد أن صناعة الصحافة عندنا تعيش أزمة كبيرة، وأن عهدها الزاهر ولى، وشمسها كادت تؤول إلى مغيب.
* باستثناء ثلاث صحف فقط، لم تورد أي صحيفة أخرى خبراً عن الوقائع التي شدت العالم، وجعلت مليارات البشر يتسمرون أمام شاشات التلفاز لساعاتٍ طويلة.
* الصحف التي أغفلت إيراد الخبر، والتي أوردته مقتضباً أو مبتوراً لا تخلو من الكفاءات المهنية، ولا يعوزها الكادر القادر على التعاطي مع الحدث المهم بالنهج المناسب، لكن اضطرارها إلى إرسال صفحاتها إلى المطابع مبكراً، لم يساعدها على تدارك القصور الكبير.
* لو كانت تطبع كميات كبيرة كما كانت تفعل سابقاً، ولو كانت اقتصادياتها تحتمل إصدار طبعة ثانية وثالثة، أو كانت المطابع سريعة بما يكفي لإنجاز الطبعة الأولى في الساعات الأولى من الصباح، وكانت قنوات التوزيع قادرة على توصيل المطبوع إلى قراء العاصمة والولايات بالسرعة اللازمة، وكان القراء أنفسهم يقتنون الصحف بذات النهم القديم، لأفلحت كل الإصدارات في تغطية انقلاب تركيا بكفاءة عالية.
* اضطرت الصحف للتعامل مع الحدث بطريقة (العين بصيرة واليد قصيرة)، ما خلا إصدارات قليلة، امتلكت مطابع خاصة، ساعدتها على تغطية الانقلاب الفاشل (بجاز المصافي).
* ثاني الدروس المستخلصة من الحدث المؤثر، يتعلق بتأكيد سطوة الوسائط الإعلامية الحديثة، وتأثيرها الخطير على مجريات الأحداث في كل أنحاء العالم.
* إذا كان كثيرون يجزمون بأن موقع (فيسبوك) شكّل عماد الثورات العربية، وساعد على تفجيرها، وساهم في هدم عروش الطواغيت، لأنه جمّع صفوف الثوار، وسهل التنسيق بينهم، فإن اتصالاً قصيراً تم مع أردوغان، عبر تطبيق (فيستايم)، أشعل شرارةً حرقت عسكر المحاولة الفاشلة، ودمرت مساعيهم الخائبة.
* ظهر أردوغان (صورة وصوت) على شاشة هاتف جوال، وخاطب شعبه عبر إحدى الفضائيات مطالباً إياه بالنزول إلى الشوارع والميادين، كي يحمي ديمقراطيته، ويفرض إرادته، ويمنع المغامرين من السطو على مكتسباته، وحظيت الرسالة باستجابة مدهشة، جعلت مدرعات الانقلابيين ترتج تحت سطوة الشعب الثائر، وأجبرت من قادوها على تركها في العراء، والفرار منها خوفاً على حياتهم من هبة الشعب الأعزل.
* خلال ساعات الليل تطايرت الصور ومقاطع الفيديو في الأسافير، وجعلت الناس كلهم يعايشون الأحداث المتفجرة لحظةً بلحظة، ويتابعون تطوراتها وكأنها تدور في قعور بيوتهم.
* هزت تلك المقاطع ثبات المتمردين، وأوهت جلدهم، وعجلت باستسلام معظمهم، وحفظت بالتالي دماء غزيرة، كانت ستسيل أنهاراً لو لم يوقن عسكر الانقلاب بأن سعيهم قد خاب.
* هذا زمان المعلومة السريعة المتداولة عبر تقنيات الوسائط الحديثة، التي رسخت سطوتها أكثر من ذي قبل في بلاد الترك، وصحافتنا مطالبة بأن تواكب عصرها، وتجاري مستجداته، أو تجهز كفنها، لتلقى حتفها غير مأسوفٍ عليها.