مقالات متنوعة

مهدي أبراهيم أحمد : الشمال والجنوب جدلية الإندماج والاوبة


عقب توقيع اتفاقية نيفاشا ..انتظمت الدولة بكاملها حملة للترويج للوحدة الجاذبة .فقد تم تحديد السقف الزمني بست من السنوات ..ثم يعقبها الخيار المطلق للجنوبيين إما للوحدة أو الإنفصال ..التجاذب حينها كان سيد الموقف ..فقد شهدت تلك السنوات (تطرفا) أحال الود المتراكم الي عداء سافر .علي عمق العمل الدوؤب ..وتوجه الدولة نحو بناء الجسور في الوحدة والتقارب ..
وكان لبروز التيارات الإنفصالية كفل كبير في جعل الجنوبيين ييممون وجههم للأنفصال التام ..فقد بانت الحملات المستعرة ..وتصدرت التصريحات السالبة التي احالت المشاعر الي شئ من التعنصر والانحياز للغاية ..فجاء تقرير المصير ليحيل دعوات التقارب الي الهشيم ..فقد جاءت النتيجة صادمة علي كثافة الجهود وطول امد التعايش الحميم والتحاكم للماضي الذي كان التعويل عليه في ترجيح كفة الوحدة ..
وكان للنخبة ايضا دور كبير في تغليب خيار الانفصال ..بالعزف علي وتر مفردات الاضطهاد والعنصرية ومواطنة الدرجة الثانية ..اضف لذلك اركابهم موجة الاماني برغد العيش والرفاهية المنتظرة…لذا لم يكن بمستغرب تلك النتيجة الاستباقية للانفصال علي كمية الجهود وحجم الانجاز في مشروع الوحدة الجاذبة
وحدث الانفصال المكروه بنسبة فاقت التوقعات ..ويمم الجنوبيون شطرهم باتجاه دولتهم الجديدة ..ولكن.خاب فألهم ..وتبددت أحلامهم وآمالهم ..فالنعيم المنتظر أضحي سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا ..والامان المنشود برغد العيش أضحي هباءا منثورا ..فقد ادلعت الحروب الاهلية ..واضحي التميز العرقي باعثا علي التنافر القبلي .فحصدت النزاع الألوف ..واجبرت جحيم تلك النزعات الاهالي علي الهجرة والنزوح ..وبمثلما كان الشمال لهم ملاذا في وحدتهم اضحي لهم قبلة في لجؤهم .ولكن موازين السياسة حالت بينهم وبين العودة لذلك الماضي الجميل ..فقد زالت عنهم المواطنة ..وصاروا أجانب بحكم الاعراف والمواثيق ..
ولا يزال لدعوات الوحدة أمل معشعش في النفوس .وفي النمازج من حولنا ما يعضد ذلك الأمل بالتلاقي والاندماج الشامل ..فبمقاييس الواقع يصعب التكهن..فما يجمع بيننا قطعا يدعو للتفأول بالإندماج أخري …فقد اتحدت كثير من الدول حولنا اخري علي تطرف المشاعر والأراء وبناء الجدران العازلة امعانا في الفصل الدائم ..ولكن طبيعة الشعوب وما يجمع بينها احالت مشاعر الجفاء علي صراحتها الي الود المكين والاوبة المرجوة ..
كان بامكان الوحدة ان تستمر وان تنزل قيمها جذبا لأرض الواقع بذات الاتفاق ووسنوات الانتقالية لولا بروز ذلك التطرف في المشاعر الذي احال التراكمات المنسية الي العلن .وظهور الحرب الاعلامية التي جعلت البغضاء تطل بأعناقها بمفرداتها الصاخبة التي احالت جهود الساسة بنواياهم الي الاخفاق والبوار.
كغيري لن نرفض اي دعوة من شأنها الإندماج أخري ولا نجزم قطعا ان تعود الدولة كسابق عهدها اتحادا .فالاشواق لا تبني الامم …فلقد عايش الجميع التجربة ومآلاتها .لن ننصب المحاكم لندين أولئك بجرم الانفصال عن الدولة الأم ..فلكل مرحلة أسبابها ..فبروز الكيانات وتطرف التيارات .قد جعل للخطوة حظها في التعجيل والانعتاق ..فكما نشدنا بالانفصال تعافيا ورفاهية ..فقد نشد أولئك استقلالا وسيادة ..فجاء الواقع علي عكس ما نهوي لكلينا في التحقيق والانجاز ..