تحقيقات وتقارير

“أمان لمائتي عام” كانت “العدل” بالأمس ساحة لتقديم بيان لجنة شكلها وزيرها بخصوص قضية أرقت الرأي العام.. اطمئنوا.. ليس هناك ما يدعو للتخوف حول النفايات المدفونة بمنطقة سد مروي


أسدلت للجنة التي شكلها مولانا عوض الحسن النور، وزير العدل، في فبراير الماضي لتقصي الحقائق حول وجود مواد كيميائية أو مشعه بمنطقة سد مروي، الستار على القضية التي شغلت الرأي العام ردحاً من الزمان، لتضع حداً للشبهات والمخاوف من الآثار الكارثية المتوقعة، والتي يحذّر منها الخبراء بشأن تلك المواد وتأثيرها على الحياة في المنطقة. وسار، بين العامة ومواطني الولاية الشمالية على وجه الدقة، الحديث عن دفن النفايات والمواد المشعة في سد مروي، وطفق الناس يحذّرون من تسببها في انتشار بعض الأمراض ويبحثون عن الحقيقة. وفي المقابل ظلت الحكومة ووزارة الموارد المائية والكهرباء والسدود في حالة دفاع ونفي دائم لوجود أي مواد مشعة مدفونة في منطقة السد بينما يؤكد الكثيرون وجودها. وراوحت نسبة الصدقية في وجود تلك المواد ذرى علية، مع تواتر أخبار وتسريبات من بعض المختصين والخبراء وشهود عيان من أبناء المنطقة ممن أكدوا قيام الشركة المنفذة بعمليات دفن وطمر لنفايات في بعض المناطق حول سد مروي، وجاء قبلها حديث دكتور محمد صديق، المدير الأسبق لهيئة الطاقة الذرية، والذي أكد فيه دخول مواد كيميائية خطيرة للبلاد من إحدى الدول الآسيوية، أثناء عمليات حفر سد مروي، وسماح الحكومة لدولة أجنبية بدفن تلك النفايات مضيفاً بأنه، خلال حديثه في ورشة رفع الوعي بالمخاطر الكيمائية التي نظمها الجهاز الوطني لحظر الأسلحة الكيمائية بهيئة المواصفات قبل أشهر، أن الدولة الآسيوية استغلت هذه الفرصة وأدخلت (60) حاوية تحوي مواد كيمائية، دفنت (40) حاوية منها داخل مقبرتين بمنطقة السد، بينما تركت الـ(20) حاوية الأخرى في العراء.

الأثر البيئي
ثارت حفيظة الكثيرين حينها وشن الناشطون والمهتمون بالبيئة والسلامة هجومًا عنيفًا على الحكومة لسماحها بدفن تلك النفايات التي تؤثر على حياة الإنسان والحيوان معًا، ومن المعلوم أن المواد الكيميائية لها تأثيرات عدة ويتفاوت الخطر من مادة الى أخرى حسب نوعها. وتعمل كثير من الدول المتقدمة على التخلص منها بإرسالها إلى دول العالم الثالث. ويؤكد خبراء بأن الأثر البيئي الناتج عن المواد الكيمياية ومخلفات الصناعة يؤثر على الحيوان والتربة والإنسان بانبعاث الإشعاعات منها وتأثيرها على الخلايا الحية وتكاثرها فيتغير مسارها الصحيح بتهيئة الظروف المناسبة لنموها كخلايا سرطانية. وتتفاوت خطورة المواد وفقاً لتركيزها ونوع الإشعاع الذي يصدر عنها.

فذلكة تأريخية
حسناَ، وزارة العدل كانت بالأمس ساحة لتقديم بيان اللجنة التي شكلها الوزير بخصوص القضية أمام الرأي العام المنشغل منذ فترة بأمر النفايات المدفونة بمنطقة سد مروي. مولانا معاوية عيسى، كبير المستشارين بوزارة العدل، ورئيس لجنة التقصي حول وجود مواد كيميائية أو مشعة بمنطقة سد مروي قدم فذلكة تأريخية للقضية مشيراً الى أن معلومة بشأن وجود مواد كيمائية أو مشعه بالسد وردت من قبل إدارة الاستخبارات بسد مروي حول وجود حاويات سيتم دفنها في قاعدة الدفاع الجوي بالسد، كونت على إثرها وزارة الدفاع لجنة من الطاقة الذرية وأكدت في تقريرها عدم وجود أي مواد مشعة، وذلك قبل أن تتم إثارة الموضوع من قبل الدكتور محمد صديق لتتم إحالة الملف لنيابة حماية المستهلك، التي اتخذت الإجراءات الأولية، وكونت فريقاً للتقصي، ولم يتمكن من أداء مهمته ومنع لعدم حصول الفريق على إذن وتصريح الدخول للسد.

لجنة المجلس الوطني
ويضيف معاوية أنه بعد ذلك كونت لجنة من المجلس الوطني ضمت خبراء الطاقة الذرية بقيادة المعز عبدالكريم واستخلصت قياسات اشعاعية أكدت بأنها طبيعية ورفعت تقريرها بذلك، كما أكدت اللجنة التي كونها السلاح الطبي عدم وجود مواد خطرة أو مسببة للأمراض بالمنطقة.

ثلاثة فرق ومنهج علمي
معاوية أكد في حديثه بالمؤتمر الصحفي أن اللجنة التي كونها وزير العدل بناءً على طلب من وزير الموارد المائية والكهرباء والسدود لتقصي الحقائق ضمت خبراء في الطاقة الذرية والبيئة والصحة والبحوث الصناعية وفنيين وتقنيين ومختصين من مجالات ذات صلة من جامعة السودان والمعمل القومي المركزي ستاك، مشيراً إلى أن اللجنة أجرت تحريات وتقصياً تفصيلياً مع الجهات الرئيسية بمشروع سد مروي شملت الأفراد الذين شاركوا في نشر أخبار حول القضية إضافة إلى أهالي المنطقة حول السد، وكذلك أجرت اللجنة مسوحات تفصيلية مكثفة لكل أجزاء ومناطق السد والمواقع المجاورة بما فيها بحيرة السد تمت فيها قياسات لمستوى الإشعاع بأخذ عينات من المياه والتربة والحشائش، لافتاً إلى أن اللجنة استغرقت في عملها نحو الستة أشهر اتبعت فيه المنهج العلمي من تقسيمها إلى ثلاثة فرق؛ كيميائي بقيادة دكتور نعيمة عبدالقادر هلال، وفيزيائي بقيادة إبراهيم إدريس وبيئي بقيادة التيجاني الأصم.

مخلفات مواد البناء
بحسب كبير مستشاري وزارة العدل فقد زارت اللجنة السد وجمعت عينات وأسقطت رفعاً مساحياً للمنطقة لتحديد المواقع وتقصت بالتحري والتحقيق مع اصطحاب ستة عشر مواطناً من المنطقة وإشراف فريق من المباحث الجنائية وزارت الأماكن المستهدفة في سائر محيط بالسد، وتوصلت الى وجود ثلاثة مدافن وأربعة مكبات للنفايات وكوش سطحية، وأن كل ما دفن في تلك المدافن ووضع في المكبات والكوش ليس سوى مخلفات لمواد البناء التي استخدمت في تشييد السد فضلاً عن مخلفات العاملين، بجانب رواجع زيوت ومشحمات آليات ثقيلة وأكياس بلاستيكية ومخلفات مواد بناء كيميائية كالأصباغ والمذيبات وطلاءات خاصة ومواد رغوية ومادة الإيبوكس.

الخلفية الإشعاعية “طبيعية”
يضيف معاوية أن اللجنة أكملت عملها بنقل (14) حاوية استجلبتها ولاية الخرطوم من مروي لاستخدام تلك المواد في صيانة وتأهيل غرف العمليات بناء على طلب وزارة الصحة الولائية وأشرفت اللجنة على نقل تلك الحاويات إلى مكب النفايات وأوصت اللجنة باصدار تشريعات ولوائح لكيماويات البناء من حيث طرق استيرادها واستخدامها والتعامل بها. وقال معاوية إن اللجنة تولت قياس الخلفية الإشعاعية للمنطقة وجمعت (90) عينة للقياس أثبتت القراءات بأنها طبيعية فضلاً عن (78) عينة تم فحصها بمختبرات الأدلة الجنائية وأخرى بمركز الطاقة الذرية في بورتسودان. وقال إن اللجنة لم تجد في منطقة السد حاويات بها مواد كيميائية ولكنها من خلال التحري علمت بأن الحاويات المذكورة رحلت الى ولاية الخرطوم بعد أن طلبت من قبل وزارة الصحة الولائية التي احتاجت الى بعض ما تبقى من مواد بناء السد خاصة مادة الإيبوكس العاذلة والتي تستخدم في محرقة النفايات الطبية وتبطين غرف العمليات الجراحية، مشيراً إلى أن اللجنة وجهت ولاية الخرطوم بالتخلص من متبقي الحاويات بطريقة سليمة.

“لا إشعاع اصطناعي”
وفي السياق أكد دكتور إبراهيم إدريس، عضو فريق الفيزياء باللجنة، بأن العينات التي أوجدت قياساتها اللجنة قورنت بالمعايير العالمية والدراسات السابقة في السودان، مشيراً إلى أن الـ90 عينة دلت على وجود خلفية إشعاعية طبيعية بالمنطقة وعدم وجود إشعاع اصطناعي، لذا فأن الأمر طبيعي وليس هناك ما يدعو للتخوف سيما وأن النسبة الطبيعية للإشعاع تكون في حدود المائة نانو وأن الخطر على حياة الإنسان وإمكانية تسبب الإشعاع في أمراض أو تشوهات يكون بوصول الإشعاع إلى مائة ميكرو وليس نانو.

زيوت راجعة وشحوم
ومن جانبه قال المقداد أحمد علي، عضو الفريق الكيميائي باللجنة، إن اللجنة مارست عملها دون ضغوط أو تأثير من أي جهة، وأنها باشرت عملها في الشق الكيميائي مشيراً إلى أن كل المواد الموجودة في المدافن والمكبات والحاويات كلها عبارة عن مواد بناء عادية بجانب زيوت راجعة وشحوم آليات وسيارات غير أنه أشار إلى أن تلك الزيوت الراجعة تحتوي على عناصر ثقيلة مما يجعلها ضارة وطالب بنبش المدافن والمكبات ومعالجتها بصورة سليمة مشيرًا إلى أن عملية التخلص منها لم تكن بالصورة المثلى وصحبها عدم تنسيق بين الجهات المختصة لتلافي الضرر الذي ربما ينتج عنها.

“لم تكن نفايات”
إلى ذلك قال دكتور التجاني الأصم، عضو اللجنة، أن المواد التي طلبتها ولاية الخرطوم لم تكن نفايات وإنما مواد صالحة للاستخدام إلا أن طول الإجراءات وزمن تسليمها تسبب في فقدان أجزاء منها لصلاحيته مشيراً إلى أن الولاية استخدمت مادة الإيبوكس في تبطين غرف العمليات ومرادم حرق النفايات الطبية، وقال إن الولاية ستقوم بالتخلص من متبقي الأسمنت والسيلكا ومواد البناء الأخرى بترتيبات خاصة وفي مرادم حتى لا تنفذ إلى باطن الأرض وتؤثر على المياه الجوفية، مشيراً الى أن مرادم الولاية صممت خصيصا كي لا تتأثر بالزلازل والبراكين، لافتاً إلى أن مردم حسكنيتة المخصص للنفايات الطبية مجهز حتى لا تنفذ منه المواد الى باطن الأرض، مشيراً إلى العمل على تجهيز مرادم مخصصة للنفايات المواد التي استجلبتها الولاية من سد مروي ستجعلها في أمان لمائتي عام قادم.

الخرطوم – مهند عبادي
صحيفة اليوم التالي