الصادق الرزيقي

نصال ونبال الشيوعيين!! (1)


> ما من حزب سياسي تعرض للانقسامات وتصفية الكوادر وفصلها وذبحها على نصب الانتقام، مثل الحزب الشيوعي السوداني الذي عرفت عنه وفي تاريخه الطويل صنوف شتى من التأديب التنظيمي والعسف والبتر واغتيال الشخصية والإفراط في تطبيق أقسى العقوبات على القيادات والكوادر المراد إبعادها أو ضبطها.. وهي معارك وصراعات تستعمل فيها كل نصال ونبال الشيوعيين المعروفة. > وما من حزب في الحركة السياسية السودانية له قدرة مدهشة على تزييف الحقائق والتعمية على دقائق الاشياء، مثلما يفعل الحزب الشيوعي السوداني، عندما تستل النصل الحزبية لفصل العظم عن اللحم وتجريد الكوادر حتى من شرف الانتماء، ثم إلقاؤها كما تلقى القمامة في قارعة الطريق، ثم تلويث سمعة المفصول وسلبه حتى تاريخه ونضالاته مهما علا شأنه أو صغرت مكانته داخل الحزب. > الصراعات الجارية حالياً وقرارات الفصل الأخيرة داخل الحزب التي أطاحت رؤوساً كثيرة مثل الدكتور الشفيع خضر وهاشم تلب وعبد المنعم خواجة وأزرق وبرنجي وستستمر لتطول آخرين قد يصل عددهم إلى بضع وثلاثين من أهم الكوادر التنظيمية والحزبية، ليست صراعات ولدت من فراغ، فهي نتيجة تفاعلات كثيرة ناتجة عن خلافات ظلت تعتمل مثل البركان في داخل الحزب لسنوات عديدة، وتمظهرت أكثر في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي عندما زلل الحزب زلزالاً شديداً في نوفمبر من عام 1996م عندما خرجت مجموعة من الكوادر الشبابية مطرودة ومبعدة لتكون حركة حق التي تعتبر نفسها هي الوريث الشرعي للأدبيات التي كان يتبناها الحزب، وكان واضحاً من سنوات طويلة خاصة عقب سقوط الماركسية وانهيار الاتحاد السوفيتي وذوبانه في الهواء، أن تيارات حداثية بدأت تفكر بصوت مسموع وتتناقش حول الأسس النظرية والفكرية التي يقوم عليها الحزب ومنطلقاته التي يؤسس عليها نهجه السياسي، وواجه الحرس القديم والجيل الهرِم وهو في خريف عمره، هذه التيارات وأفكارها بدوغمائية لا حد لها، وتمترس هذا الحرس القديم داخل قوقعته التنظيمية الصلبة وبدأ يخوض معاركه ضد كل من ينادي بالتجديد أو بطرح أفكار ستؤدي لا محالة إلى تغيير مركزي في ثوابت الحزب الفكرية والسياسية. > ولم يكن خافياً أن الشفيع خضر وأمثاله وأضرابه، قد جهروا بأفكار حول رؤى الحزب التنظيمية وأوعية الاستقطاب السياسية ونوعها وكيفية الانفتاح على شرائح مجتمعية كان الحزب يصفها بالقوى التقليدية والرجعية مثل الكيانات القبلية وكتل التجار والقوى الاجتماعية ذات التأثير البالغ في المجتمع، ولم تخف هذه المجموعة رغبتها حتى في تغيير اسم الحزب تماشياً مع المستجدات الجديدة في العالم، والأهم من ذلك كانت ترى أن الحزب بعد أن بلغ أرذل العمل، في حاجة إلى تصفية صفوفه من ظواهر الاختراقات المتقاطعة، سواء كانت اختراقات لصالح الأجهزة الأمنية الحكومية أو أخرى سياسية من تنظيمات وأحزاب أخرى، أو اختراقات خارجية. > وهنا لا يخفى على أحد أن التحولات الدولية بعد غياب الاتحاد السوفيتي وتفكك كتلة الأحزاب الشيوعية في العالم وخاصة دول العالم الثالث، ألقت بظلالها وواجه الحزب الشيوعي السوداني تحديات كثيرة وظهرت حقائق لم تكن واضحة من قبل أهمها أن الكوادر الشيوعية وخاصة السودانية منها هي الأكثر التصاقاً اليوم بالدوائر الغربية الرأسمالية وأجهزة المخابرات في الولايات المتحدة وأوروبا، وامتلأت المنظمات الغربية ومؤسسات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان في الغرب وأستراليا بأعداد وافرة من الكوادر الشيوعية وهي تقدم كل خدماتها للمتعهد الدولي الجديد بعد غروب شمس الاتحاد السوفيتي العظيم وتلاشي توابعه. وتبعاً لهذه الانعطافات الكبيرة، لم يقو الحزب على الصمود أمام تحدياته، فأوقف ما يسمى (دعم الأفندي المضاد)، وهي الأموال المخصصة للمفرغين للعمل السياسي والتنظيمي، ومد الشيوعيون أياديهم السفلى للمنظمات والدوائر الغربية المشبوهة، وإلى بعض عطاء فرعيات الحزب في دول المهجر، ورغم توفر المال واجه المفرغون من الحزب ضوائق حياتية ومعيشية صعبة عرضت الحزب لاختراق كبير، وصارت محاضر اجتماعاته معروضة للبيع لمن يشتري. > صراع التيار الحداثي إن صح التوصيف والحرس القديم، بلغ ذروته بعد وفاة السكرتير العام السابق محمد إبراهيم نقد، ولم يستطع رموز الحرس القيم (الخطيب، سليمان حامد، الكنين (حامل الجواز الأمريكي)، صديق يوسف، التيجاني الطيب قبل وفاته، وآخرون) لملمة شتيت الحزب الممزق، وكانت فرعيات الحزب في بلاد المهجر خاصة في إنجلترا وسلطنة عمان والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبعض دول الخليج ومصر، تتقارب بآرائها مع التيار الحداثي، بل يتهم بعض هذه الفرعيات الحرس القديم بالتصرف في أموال الاشتركات والتبرعات والدعومات التي كانت تصل من الفرعيات بالخارج، وآخرها مبلغ مالي لشراء عشر سيارات لصالح العمل الحزبي. > أما لماذا عمليات الفصل الجارية اليوم، فهي جزء من الصراع، وأراد الحرس القديم استباق المؤتمر العام السادس وتنظيف الملعب والساحة قبل المؤتمر، وإبعاد رموز التيار الحداثي وفصلهم لما لهم من شعبية وسط قواعد الشباب والحزب، وسيكون لها تأثير في تمخضات المؤتمر العام. (نواصل).