مقالات متنوعة

د. ناهد قرناص : اربعاء وعقاب شهر


طوال عمري الوظيفي ..كنت اردد هذا المثل واعني به نهاية الشهر التي تمر علينا كانها دهر ..ولم انتبه الى أن التذمر يشمل يوم الاربعاء كذلك ..مما يعني ثقله على النفس كنهاية الشهر ايضا فهو يوم سابق لنهاية الاسبوع ..دوامه كامل غير منقوص ..وغالبا ما يكون فيه المدير متواجدا طوال الوقت ..لا يبارح مكتبه للوزارة او اي جهة اخرى …(سمعتوا ليكم بي اجتماع يوم الاربعاء؟) …
تردد المثل في ذهني وانا التقى (علوية) تلك الفتاة الصغيرة التي تمد يدها لي قائلة في صوت هامس (مساعدة عليك الله)…لم تكن المرة الأولى التي اصادفها …فهي دائمة التواجد اخر اليوم …منذ ما يقارب العام الاقيها بالقرب من مكان عملي ..أذكر اول مرة ..انني قلت لها (ما باقي معاي غير حق الركشة ..) ..كان ردها غير متوقعا ..فقد قالت وهي تنظر لما أحمله في يدي (خلاص ..اديني برتكانة ..انا جيت من المدرسة طوالي هنا ..ما فطرت).. سألتها عن نفسها ..و عرفت أنها تأتي بعد المدرسة لتساعد والدتها في (العمل).. (امك بتشتغل وين يا علوية؟) ..أشارت الى أمراة جالسة بالقرب من الصراف الألي ..تحمل طفلا صغيرا ..وتمد يدها لذلك الذي يخرج من الصراف …أذكر أنه في تلك اللحظة مرت على عقلي افكار شتى ..نظرتنا للتسول !..ومن يجعله مهنة ..لدرجة ان يطلق عليها مسمى (شغل) ..علوية الصغيرة التي لا تجد حرجا في الاشارة الى والدتها ومكان عملها … بل والتصريح بكل براءة الطفولة بأنها تساعدها فيه.
اليوم بادرت بالهجوم عليها (بت يا علوية ..مالك حايمة من الصباح ؟ السنة دي ما مشيتي المدرسة ليه؟) ..قالت لي وهي تضرب على التراب (وحاة اسم الله ..مشيت وكتبوا اسمي ..لكن المرة دا ..ما عندي هدوم مدرسة ..وما عندي شنتاية ..وما عندي كراريس)…لم استطع منع الابتسامة وانا ارى حماسها في ذكر التفاصيل ..مازحتها (طيب عندك شنو يا علوية ) ..ردت بقوة وهي ترفع رأسها في عناد (عندي جزمة) …ثم استطردت قائلة (انتي بدل ما تديني جنيه ..اديني هدوم بتك بتاع السنة الفاتت)..(بتي في الجامعة يا علوية ..هدومها ما قدرك )..تعاطفت معي وتحول صوتها قائلة بكل رقة (بتك وحيييدة .؟ .ما عندك جنا تاني ؟ والله انت مسكينة) .. فجأة تحول مسار الحوارالى الحديث عني وليس عنها ..قلت لها (عندي اولاد ..بس البت وحيدة) ..انفرجت اساريرها وقالت (الله يبارك ليك في اولادك) ..يا الهي ..هذه الصغيرة التي شاخت بدون ارادتها.. تنطق بعبارات اكبر منها ….وجدت نفسها في واقع لم تفهم فيه شيئا ..فتقمصت دور والدتها بجدارة.. .وجدت نفسي عاجزة امامها .. انظر اليها ببلاهة ..ومن ثم ..تحركت من امامها وانا اقول تبا ثم تبا
كانت الهموم قد تراكمت علي ..الفلس يضرب بأطنابه في محفظتي …استطال الاسبوع الاخير من يوليو ..حتى بدأ يوم الاربعاء وكأنه في اواخرالعمر ..واستطال الشهر ….ولا زالت العشرينات منه تمشي الهوينى وتقدل …ويوم الماهية يبدو في الافق حتى بلغت القلوب الحناجر …لكن كل هذه الاشياء تقزمت امام علوية الصغيرة …فقط واصلت طريقي وانا اردد (صحي اربعاء ..وعقاب شهر )