صلاح الدين عووضة

الرحمة حلوة !!!


*كنت برفقة ابني الرضيع بمشفى خاص..

*المشفى الوحيد الذي كان مؤهلاً لعلاج طفلي من علته حسب نصيحة الطبيب..

*أو على الأقل كان الأمر كذلك في بدايات الإنقاذ..

*وبعد منتصف ذات ليلة توفي طفلي هذا..

*فطلب مني المدير المناوب أخذ الجثمان ومحاسبة المشفى لاحقاً..

*فالوفاة مفاجئة ولم أكن متحسباً لتبعاتها..

*قال بالحرف الواحد (ربنا يخلف عليك وما تشغل نفسك بالفلوس الآن)..

*وبالفعل أحضرت له المبلغ بعد نحو أسبوع..

*وما زلت أذكر وجهه الصبوح (الملتحي) إلى يومنا هذا..

*كان يبدو متديناً (لوجه الله) لا من أجل أغراض (دنيوية)..

*كما لم يكن يبدو – من ملامحه- سودانياً (تماماً)..

*وعلى عكسه بدوا الذين هم سبب كلمتنا هذه اليوم..

*فهم لم يستصحبوا مشاعر اسمها (الرحمة) عند تعاملهم مع نزيل..

*أو بالأحرى ، مرافق الطفلة النزيلة..

*فالطفلة توفاها الله- فجأة- كما حدث لطفلي الذي تحدثت عنه..

*والمشفى الشهير هو ذو اسم (إمبراطوري)..

*وحسب الوقائع فقد طالبت إدارة المشفى الوالد بالدفع فوراً..

*دفع (10) آلاف جنيه وإلا فلن يستلم الجثمان..

*ولو (حضرت الرحمة) لكانت هنالك خيارات عدة..

*خيارات تضمن للمشفى رسومه (الشفقان عليها) هذه من جهة..

*وللوالد المكلوم أخذ جثمان ابنته من جهة أخرى..

*ومن بينها أخذ صك ضمان من الوالد لحين إحضار المبلغ..

*أو استكتابه (وصل أمانة) بأجل معلوم..

*أو استلام وثيقة رسمية منه (كرهينة) مثل شهادة الرقم الوطني مثلاً..

*ولكن أيا من ذلكم لم يحدث لغياب الرحمة..

*فكانت النتيجة أن ثارت ثائرة الأب ليحطم بعض أثاث الإدارة..

*وهو تصرف مرفوض وفقاً (لنص) القانون..

*ولكن بالنظر إليه من زاوية (روحه) فإن فاعله يمكن أن يُعذر..

*فهو قد فاضت (روح) طفلته للتو..

*والمشفى يصر على التعامل معه (بروح التوحش المادي) لزماننا هذا..

*زمان يناسبه مقطع أغنية عدوية (ولا عادش رحمة)..

*زمان وصفت جانباً من ظواهر (تدينه الكاذب) في كلمة خلال رمضان..

*فبائع البطيخ لا ينافس مسبحته طولاً إلا لحيته..

*والمسواك داخل فمه لا يخرجه إلا ليقول: (سبحان الله) أو (سعر البطيخة)..

*والتي اشتريتها منه بـ(70) باع مثلها لآخر بـ(100)..

*علماً بأنه ذكر لي – قبل ثوانٍ- أن ربحه فيها لا يتعدى الـ(5) جنيهات..

*أي ربحه بعد أن باعها لي بالمبلغ المذكور..

*وغابت الرحمة من مشافينا ومدارسنا وأسواقنا و(حياتنا)..

*ولولا أن كتب الله على نفسه الرحمة لأهلكنا، ربما..

*فحتى اليهود يعرفون (حلاوة الرحمة!!!).