مصطفى أبو العزائم

ما هي قصة منتدى الكرامة الأفريقية؟ (1)


مثل عادة الذين يجيدون (اللت والعجن) بدأ بعض معارضي نظام الحكم في تبخيس الاختيار الأفريقي للرئيس “عمر حسن أحمر البشير” زعيماً للكرامة الأفريقية، وانطلقت الشائعات ورويت الحكايات، وحاول مناصرو النظام أن يردوا السهام إلى صدور مطلقيها، وحاول بعضهم أن يستثمر ذلك الاختيار استثماراً سياسياً ليحقق به مكاسب داخلية وخارجية، في حين أن الأمر إن نظرنا إليه بعين الموضوعية هو أحد المكاسب الكبرى التي تحققت للوطن، وقد سعيت لمعرفة الحقيقة كاملة من أفواه الذين نظموا تلك المبادرة بعيداً عن الانفعالات الاحتفالية والمظاهر السياسية، بل إن الذي أسعدني أكثر هو رغبة تلك الجهة المنظمة للمبادرة في التواصل معي قبل أن أنقل رغبتي إليها، إذ هاتفني أخي وزميلي الأستاذ “عمر كرار”، وقال لي إن البروفيسور “أبو القاسم قور” الأستاذ في جامعة السلام التابعة للأمم المتحدة بالعاصمة الإثيوبية طلب إليه أن ينقل إليّ رغبته في محادثتي حول اختيار السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير” رمزاً للكرامة والعزة في أفريقيا.
لم أضع الوقت فأجريت اتصالاً هاتفياً بصديقي البروفيسور “قور” وأخبرته بأنني سأبعث إليه ببريدي الإلكتروني للتواصل ومدّي بأية معلومات حول هذا الحدث الكبير، وقلت له إن لديّ إحساساً بأن تعاملنا مع هذا التكريم في السودان، ليس كما ينبغي، ويجب علينا أن نتعامل مع هذا الاختيار، وفق المعايير التي تم بها، مع الرجوع إلى نشأة المبادرة وتاريخها، فوجدته يؤمن على ما ذهبت إليه، وقال لي إنه سيبعث إليّ بكل ما يتصل بهذا التكريم.. وقد فعل، وسأستعرض ما وصل إليّ من معلومات حوله من مصدرها والجهة المنظمة لذلك التكريم، خاصة وأنني شاركت قبل أكثر من عامين في ندوة بالعاصمة الإثيوبية حول المحكمة الجنائية الدولية، شارك فيها عدد من أساتذة القانون الدولي، وممثلين لعدد من الجامعات الأفريقية، وخبراء في العلاقات الدولية، وشارك فيها البروفيسور “قور” نفسه آنذاك، لكن تلك الندوة كانت مبادرة سودانية خالصة بينما (منتدى الكرامة الأفريقية) جاء نتيجة مبادرة إقليمية أسس لها وأطلقها البرنامج الأفريقي لجامعة السلام، ومقرها “أديس أبابا”.
يقول بروفيسور “قور” إن منتدى الكرامة الأفريقية نشأ في العام 2008م، وإن مهمة تكريم الرئيس “البشير” وقبوله بالتكليف ليكون زعيم الكرامة الأفريقية في الفترة الممتدة من 2016 – 2017م كانت مهمة صعبة وشاقة، بدأ الحوار حولها منذ العام 2008م، وهي مبادرة علمية ضاربة بجذرها الفلسفي والإستراتيجي والاجتماعي في مبحث الكرامة وحقوق الإنسان، وهي مبادرة إقليمية تعبر عن إحساس الـ(بان آفريكانيزم) وبحثه عن مصير أفريقيا في عالم متحول، وقد بادرت بها منظومة السلم والعدل وحقوق الإنسان (Peace, Justice and Human Rights) وقد تبناها البرنامج الأفريقي لجامعة الأمم المتحدة للسلام في مقره بأديس أبابا، وقد أدار النقاش وقاد الحوار البروفيسور “ميشيليو هانسنكلو” أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة “بريتوريا” في دولة جنوب أفريقيا، وتم التركيز على ما يمكن أن تتعرض له الدول الأفريقية من تدخلات، واجتياح تحت غطاء التطورات المتسارعة لمنظومة القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وما تشهده الأمم المتحدة من تطور وظيفي في انتقالها من حماية السلام بين الدول إلى حماية السلام داخل الدول (!).
يؤكد بروفيسور “قور” أن مناقشة قضية السودان تمت من بوابة هذا المبحث العلمي المتعلق بالسلم والعدل وحقوق الإنسان، كما يسمى في مادة دراسات السلم والنزاعات، وارتبطت تلك القضية بأزمة دارفور، وما تقوم به حكومة السودان من موافقات وتوقيعات على قرارات مجلس حقوق الإنسان.. ولأن الحالة السودانية لم تحظ برؤى أكاديمية علمية دقيقة، وجد اللاعبون السياسيون فرصتهم في الدخول إلى ملعب الأزمة بوقوع إقليم دارفور تحت آلية دولية لحماية السلام، بداية من (يونيميس) وانتهاءً بـ(يونيميد)، وهو ما كشف عن تعجل وتسرع في المعالجة، وهو ما أكد على عدم إدراك اللاعب السياسي لخطورة المؤامرة على كل أفريقيا من مدخل السودان.. ليتم تدخل محكمة الجنايات الدولية في الشأن السوداني دون أن يلتفت اللاعب السياسي الوطني إلى ذلك، ودون أن يضع له أي اعتبارات قد تضر بكل القضية.
منتدى الكرامة الأفريقية يؤسس لجائزة أفريقية تشبه أو تعادل جائزة “نوبل”، وهو يتبنى مبدأ (حلول أفريقية لمشاكل أفريقية)، وكان معهد دراسات السلام والنزاعات ومقره “دار السلام” في تنزانيا، قد طرح في العام 2008م استبياناً لكل خريجيه المنتشرين في كل دول القارة تحت مظلة واحدة هي (الشبكة الأفريقية لدراسات السلم والنزاعات) المعروفة اختصاراً بـ(IPCSAN) لإظهار آرائهم حول تدخل المحكمة الجنائية في السودان، فكانت النتيجة أن (95%) من المستطلعين أكدوا على أن ذلك التدخل هو تدليس. وفي العام 2009م تواصلت اجتماعات الشبكة الأفريقية في كل من دار السلام وممبسا والخرطوم، مع مناقشة مستفيضة مع الشبكة الأفريقية لنظم التفكير المحلي ومقرها بجامعة “نورث ويست” و”كوالا زولا ناتال” في جنوب أفريقيا، إضافة إلى لقاءات في مقر البرنامج الأفريقي لجامعة الأمم المتحدة للسلام في أديس أبابا، غير لقاءات أخرى مع ناشطين وخبراء وعلماء أفارقة في كل أنحاء العالم بدءاً من هونغ كونغ، مروراً بميونخ فمراكش وانتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية.
في عام 2013م حدث تطور كبير عندما تم اختيار البروفيسور “أبو القاسم قور” عضواً في المفوضية القومية لحقوق الإنسان بالسودان، وقد لعب دوراً رئيساً وأساسياً في ربط كل الجهود. ودعا البروفيسور “ميشيليو هانسنكلو” المفوض لدى محكمة العدل الدولية لتحدث بعد ذلك الاختراقات التي هزت أركان الادعاءات الكاذبة.
غداً نواصل في قصة منتدى الكرامة واختياره للرئيس “البشير” رمزاً للعزة والكرامة في أفريقيا.