تحقيقات وتقارير

التجسس في مواقع التواصل الاجتماعي.. انتهاك الخصوصية


التجسس هو التفتيش عن بواطن الأمور والمعلومات التي يخفيها أصحابها ولا يريدون لأحد الوصول إليها وخاصة عورات الناس وزلاتهم، كما أن يمكن أن نطلق عليها عملية التجسس الاجتماعي لعورات الناس في خلواتهم، إما بالنظر إليهم أو استراق السمع والاطلاع على مذكراتهم ووثائقهم وأسرارهم، وكل ما يخفونه عن أعين الناس وآذانهم لأشياء تخصهم.
وتعد عملية التجسس والتتبع لعورات المسلمين وتحسس حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأفعالهم فيما يقع منهم من الرذائل التي نهى عنها هذا الدين العظيم يقول جل وعلا في محكم تنزيله: “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم” الحجرات 12. ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعايروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله”.. ويقول أيضاً “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونو عباد الله إخواناً”.. فالتجسس والتلصص هو من أخطر الجرائم المجتمعية التي تفضي بدورها السالب والمتعاظم في خلق الكثير من الظواهر غير الحميدة والفتن التي هي أكبر من القتل ونحن اليوم في عالم الفضاءات المفتوحة وتقنيات التصدير من الكاميرات والموبايلات الذكية قد أتاح لبعض ضعاف النفوس والذين ما أكثرهم اليوم في التدخل في خصوصيات الآخرين الذين يتجسسون على مواقع الآخرين.

هاجس كبير
أقول لكل مسلم ومسلمة إن صفحات التواصل هذه هي ليست المكان الملائم لوضع أسرارك أو صورك فيه فأنت مخطئ إذا كنت تتعامل مع هذه المواقع الإسفيرية التي باتت هاجساً مروعاً ويحتاج إلى المعالجة والمنهجية اللازمة لأسلوب التعامل بشكل إيجابي وسليم، يقتضي لكل مسلم ومسلمة مراقبة الله عز وجل لها فيما يفعل فهو المطلع على الأفئدة وما تخفي الصدور وهو العالم بكل شيء فاجعل الله هو الرقيب عليك وحاسب نفسك قبل أن تحاسب ولا تتبع الهوى والتكنولوجيا، فتضلك عن الطريق القويم لتجد نفسك في طريق الشر والسوء طريق العتمة والظلام الذي آخره عذاب ومرده سوء وخسران مبين، هذه الصفات السالبة التي ينتهجها الفرد في حق نفسه والآخرين ثم المجتمع لها من التأثيرات السالبة عليه في المقام الأول ثم على من حوله وتأثيراتها حتى على الأسر التي يعيش بينها.

المُتجسِّس مفضوح
فالتجسس على الآخرين ومتابعتهم لكشف عوراتهم من الأمور التي لا تجوز شرعاً ولا عرفاً ولا قانوناً، واعلم أيها المتجسس بأن المولى عز وجل سوف يفضحك ليكون عبرة للآخرين، فكم من أناس كانوا في حسبان الناس والمجتمع بأنهم من الأخيار ثم بمرور الزمن يفضحهم الله عز وجل ويبينوا على حقيقتهم المجردة التي هم عليها حقيقة، لذلك لابد أن نسموا بأنفسنا وأخلاقنا بأن لا نتجسس أو حتى نحاول أن نتتبع عورات الناس قال عروة ابن الورد شاعر الجاهلية:

وإن جارتي ألوت رياح ببيتها ** تغافلت حتى يستر البيت جانبه
وقال شاعر الجاهلية المغوار عنتر بن شداد:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي ** حتى يواري جارتي مأواها
فهؤلاء هم من كانوا في الجاهلية فكيف لمن هم الآن يعيشون في نور وهداية الإسلام أيعقل لكم هذا إخواني في الإسلام طبعاً كلا ولا يجوز بك كفرد مسلم له منهاجه القويم.

انفتاح على الآخر
ونحن الآن في هذا العالم المفتوح على مصراعيه من خلال التواصل الفضائي الإلكتروني والأقمار الصناعية التي تقوم بكل أعمال الترقب والتجسس والتلصص والآليات والأجهزة الذكية التي باتت في الأسواق يحصل عليها كل من يريد وبأسعار زهيدة إذا ما قورنت بحجم العمل الذي تقوم به والذي قد كان في الماضي ضرباً من ضروب الخيال، وكانت هذه الأدوات والمخترعات هي حكر فقط لوكالات الاستخبارات العالمية الأمريكية والروسية والألمانية، ومنها الهاتف السيار والكمبيوتر اللذان أصبحا اليوم هما سبب كل هذه البلاوي والفساد الأخلاقي والقيمي، ويمكن أن نطلق عليه (الفساد الإلكتروني)، وهنا لابد أن أذكر ومهما يقع أو يكون في هذه الحياة والدنيا، فالمسلم المؤمن له من التحصينات واللقاحات التي إذا ألزمها اتقِ شر كل ما يحدث ولا علاج لنا نحن المسلمين إلا باتباع المنهج الإسلامي الرباني الذي جاء ليحكم حركتنا ويوجه سلوكنا نحو القيم الإيجابية والسلوك القويم ولا يضرنا بعد ذلك من ضل أو سار على طريق الشيطان أو شيطان التكنولوجيا.

الحذر واجب
لا أريد أن أنسى نوعاً جديداً من التجسس، وهو أن تقوم بمهاراتك الحوارية، وفي الحديث مع أحد من أن تجعله تحت سيطرتك لتجعله يبوح بما لديه من أسرار تقوم أنت بعد ذلك بنشرها أو ترويجها، فهذا أيضاً لا يجوز وستر الناس واجب إلا في الكبائر التي تكون من اختصاص الدولة في مراقبة من تقع عليه التهم ومراقبته ثم ضبطه ومحاكمته وإنزال العقوبة التي يستحقها من جراء الفعل المشين الذي قام به واحذروا هذه الأيام من مغبة وسوء مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت فتنة كبيرة أغنت إبليس وأعوانه عن القيام بعمل كبير يؤذي الإنسان ويخرجه عن دائرة التوازن والرشد والاعتدال ويدخله إلى أماكن قد لا يستطيع الخروج منها تؤثر في حياته سلباً وفي المجتمع الإنساني بأكمله.

الخرطوم – فيصل أحمد عباس
صحيفة اليوم التالي